السبت، 25 أكتوبر 2014

الخروج على الحاكم الجائر

الخروج على الحاكم الجائر

السؤال:
قولكم: الخروج على الحاكم الجائر مرتبط بالمصلحة، والمفسدة.
الجواب:
الكافر، وليس الجائر؛ أما الذي يحكم بالقوانين الوضعية؛ فهو كافر، والخروج عليه مع القدرة؛ واجب؛ لا يشك في ذلك؛ من عرف دين الإسلام، وعرف حقيقة أمر هؤلاء الحكام، وما هم عليه.
قال ابن باز - الذي تحتجون به -: "الذي يظهر من أحوالهم عند الدراسة والتأمل؛ يتبين أنهم راضون بها، وأنهم مطمئنون إليها، وأنهم يرونها أولى من تحكيم الشريعة، وأنسب للناس وأصلح لهم، أو أرفق بهم، هذا هو ظاهر حالهم، وهذا هو المتبادر من أحوالهم؛ لأنهم يحكمون بغير الشريعة، وهم مطمئنون ليس عندهم في ذلك تألم ولا تبرم لهذا الشيء، ولا تصريحاتهم بأنهم خاطئون وأنهم ظالمون، وسيعودون إلى حكم الشريعة، فالذي يظهر من حالهم هو أنهم راضون بحكم القوانين الوضعية، وأنهم غير راضين بحكم الشريعة، هذا ظاهر أحوالهم، والله أعلم بما في قلوبهم".
فالآثار السلفية إنما جاءت في الحاكم الجائر - لا الكافر - كحكام بني أمية، وبني العباس؛ الذين كانوا ملتزمين بالشريعة، ويحكمون بها، ويتحاكمون إليها؛ لكن حصل منهم جور، وظلم، وفسق؛ فهؤلاء وأمثالهم من حكام المسلمين؛ استقر الإجماع على حرمة الخروج عليهم، وإن حصل منهم ما حصل؛ ما لم يصدر عنهم الكفر البواح. ولا يوجد سلفي ينازع في هذا، والحمد لله.
أما الذي يترك الحكم بالشريعة، ويحكم بالقانون؛ فهو كافر.
لذلك؛ كان الألباني - وهو إمام عندكم - يقول: "كثير من حكام المسلمين يستحقون الخروج عليهم؛ لأنهم لا يحكمون بما أنزل الله، وهم مسلمون جغرافياً فقط، ولكن لا نخرج لغلبة المفسدة"اهـ (من شريط كيفية التعامل مع الواقع)
وتأمل ما ذكره ابن تيمية بهذا الصدد:
حيث قال: "فإذا تقررت هذه القاعدة - أي قتال الطائفة الممتنعة عن الالتزام بالشريعة - فهؤلاء القوم المسئول عنهم - أي التتر - عسكرهم مشتمل على قوم كفار من النصارى والمشركين وعلى قوم منتسبين إلى الإسلام، وهم جمهور العسكر؛ ينطقون بالشهادتين إذا طلبت منهم، ويعظمون الرسول، وليس فيهم من يصلي إلا قليلاً جداً، وصوم رمضان أكثر فيهم من الصلاة، والمسلم عندهم أعظم من غيره، وللصالحين من المسلمين عندهم قدر، وعندهم من الإسلام بعضه، وهم متفاوتون فيه؛ لكن الذي عليه عامتهم، والذي يقاتلون عليه؛ متضمن لترك كثير من شرائع الإسلام؛ أو أكثرها؛ فإنهم أولاً يوجبون الإسلام، ولا يقاتلون من تركه؛ بل من قاتل على دولة المغول عظموه وتركوه، وإن كان كافراً عدواً لله ورسوله، وكل من خرج عن دولة المغول أو عليها؛ استحلوا قتاله، وإن كان من خيار المسلمين؛ فلا يجاهدون الكفار، ولا يلزمون أهل الكتاب بالجزية والصغار، ولا ينهون أحداً من عسكرهم أن يعبد ما شاء من شمس أو قمر أو غير ذلك؛ بل الظاهر من سيرتهم أن المسلم عندهم بمنزلة العدل أو الرجل الصالح أو المتطوع في المسلمين، والكافر عندهم بمنزلة الفاسق في المسلمين أو بمنزلة تارك التطوع. وكذلك أيضاً عامتهم لا يحرمون دماء المسلمين وأموالهم؛ إلا أن ينهاهم عنها سلطانهم؛ أي لا يلتزمون تركها، وإذا نهاهم عنها أو عن غيرها أطاعوه لكونه سلطاناً لا بمجرد الدين. وعامتهم لا يلتزمون أداء الواجبات؛ لا من الصلاة ولا من الزكاة ولا من الحج ولا غير ذلك. ولا يلتزمون الحكم بينهم بحكم الله؛ بل يحكمون بأوضاع لهم توافق الإسلام تارة وتخالفه أخرى. وإنما كان الملتزم لشرائع الإسلام الشيزبرون، وهو الذي أظهر من شرائع الإسلام ما استفاض عند الناس. وأما هؤلاء فدخلوا فيه وما التزموا شرائعه. وقتال هذا الضرب واجب بإجماع المسلمين وما يشك في ذلك من عرف دين الإسلام، وعرف حقيقة أمرهم؛ فإن هذا السلم الذي هم عليه ودين الإسلام لا يجتمعان أبداً. وإذا كان الأكراد والأعراب وغيرهم من أهل البوادي الذين لا يلتزمون شريعة الإسلام يجب قتالهم وإن لم يتعد ضررهم إلى أهل الأمصار؛ فكيف بهؤلاء. نعم يجب أن يسلك في قتاله المسلك الشرعي من دعائهم إلى التزام شرائع الإسلام إن لم تكن الدعوة إلى الشرائع قد بلغتهم؛ كما كان الكافر الحربي يدعى أولاً إلى الشهادتين إن لم تكن الدعوة قد بلغته. فإن اتفق من يقاتلهم على الوجه الكامل فهو الغاية في رضوان الله وإعزاز كلمته وإقامة دينه وطاعة رسوله، وإن كان فيهم من فيه فجور وفساد نية بأن يكون يقاتل على الرياسة أو يتعدى عليهم في بعض الأمور وكانت مفسدة ترك قتالهم أعظم على الدين من مفسدة قتالهم على هذا الوجه؛ كان الواجب أيضاً قتالهم دفعاً لأعظم المفسدتين بالتزام أدناهما؛ فإن هذا من أصول الإسلام التي ينبغي مراعاتها. ولهذا كان من أصول أهل السنة والجماعة الغزو مع كل بر وفاجر؛ فإن الله يؤيد هذا الدين بالرجل الفاجر وبأقوام لا خلاق لهم؛ كما أخبر بذلك النبي صلى الله عليه وسلم لأنه إذا لم يتفق الغزو إلا مع الأمراء الفجار، أو مع عسكر كثير الفجور؛ فإنه لا بد من أحد أمرين: إما ترك الغزو معهم؛ فيلزم من ذلك استيلاء الآخرين الذين هم أعظم ضرراً في الدين والدنيا، وإما الغزو مع الأمير الفاجر؛ فيحصل بذلك دفع الأفجرين، وإقامة أكثر شرائع الإسلام، وإن لم يمكن إقامة جميعها؛ فهذا هو الواجب في هذه الصورة وكل ما أشبهها؛ بل كثير من الغزو الحاصل بعد الخلفاء الراشدين لم يقع إلا على هذا الوجه. وثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم (الخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة: الأجر والمغنم)؛ فهذا الحديث الصحيح يدل على معنى ما رواه أبو داود في سننه من قوله صلى الله عليه وسلم: (الغزو ماض منذ بعثني الله إلى أن يقاتل آخر أمتي الدجال لا يبطله جور جائر ولا عدل عادل)، وما استفاض عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: (لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خالفهم إلى يوم القيامة)؛ إلى غير ذلك من النصوص التي اتفق أهل السنة والجماعة من جميع الطوائف على العمل بها في جهاد من يستحق الجهاد مع الأمراء أبرارهم وفجارهم.. إلى أن قال: علم أن الطريقة الوسطى التي هي دين الإسلام المحض جهاد من يستحق الجهاد؛ كهؤلاء القوم المسئول عنهم مع كل أمير وطائفة؛ هي أولى بالإسلام منهم إذا لم يمكن جهادهم إلا كذلك، واجتناب إعانة الطائفة التي يغزو معها على شيء من معاصي الله؛ بل يطيعهم في طاعة الله ولا يطيعهم في معصية الله إذ لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق. وهذه طريقة خيار هذه الأمة قديماً وحديثاً. وهي واجبة على كل مكلف. وهي متوسطة بين طريق الحرورية وأمثالهم ممن يسلك مسلك الورع الفاسد الناشئ عن قلة العلم وبين طريقة المرجئة وأمثالهم ممن يسلك مسلك طاعة الأمراء مطلقاً، وإن لم يكونوا أبراراً"اهـ (مجموع الفتاوى 28/504-508)
فتلخص من كلامه:
1-            أن هؤلاء التتر؛ كانوا لا يلتزمون حكم الله فيما بينهم؛ فحسب. أما الحكم بين المسلمين فقد كان جارياً على مقتضى الشرع.
2-            أن حكام اليوم فاقوا التتر من حيث كونهم فرضوا الحكم بالقوانين على شعوبهم، وهو ما لم يفعله التتر.
3-            أن قتال هذا الضرب واجب بإجماع المسلمين.
4-            أنه فرق بين الحاكم الذي لا يلتزم بأحكام الشريعة، وإن أظهر بعض شعائرها؛ فهذا (كافر)، وبين الحاكم الذي يلتزم بذلك؛ لكن فيه ظلم، وفجور، وفساد نية؛ فهذا (جائر).
5-            أن هذه الطريقة هي طريقة الإسلام المحض، وهي الطريقة المتوسطة بين طريق الحرورية، وأمثالهم ممن يسلك مسلك الورع الفاسد الناشئ عن قلة العلم، وبين طريقة المرجئة، وأمثالهم ممن يسلك مسلك طاعة الأمراء مطلقاً.
فمن ثم لا يُقال: الآثار السلفية جاءت بكذا وكذا؛ فإن هذا تنزيل لها في غير مواضعها؛ كما قد بينا.
ولا يُتفانى في الدفاع عن الطواغيت؛ فتُقر تولية الكافر.
وفي السكوت سعة.
والصبر حتى يستريح بر، ويستراح من فاجر.
وعدم الرضى بما يحدث من هرج ومرج؛ شيء.
والتهوين من صنيع هؤلاء القوم، وتسويغ مخالفاتهم؛ شيء آخر.

والحمد لله رب العالمين.

المظاهرات ليست من الإسلام

المظاهرات ليست من الإسلام
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين نبينا محمد، وعلى آله وصحبه، ومن سار على نهجهم إلى يوم الدين ؛؛؛ أما بعد:
قال تعالى: "ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ".
وقال تعالى: "وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ".
وقال تعالى: "وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَاداً وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ".
وقال صلى الله عليه وسلم: "سَتَكُونُ فِتَنٌ؛ الْقَاعِدُ فيها خَيْرٌ من الْقَائِمِ، وَالْقَائِمُ فيها خَيْرٌ من الْمَاشِي، وَالْمَاشِي فيها خَيْرٌ من السَّاعِي، وَمَنْ يُشْرِفْ لها تَسْتَشْرِفْهُ، وَمَنْ وَجَدَ مَلْجَأً أو مَعَاذًا؛ فَلْيَعُذْ بِهِ".
وقال سفيان الثوري رحمه الله: "إن استطعت ألا تحك رأسك إلا بأثر فافعل"اهـ
والفتن التي نزلت بالأمة كثيرة، وعظيمة، ومن أعظمها وأخطرها فتنة المظاهرات، والمسيرات السلمية - زعموا -، ومن نظر بعين الاعتبار؛ لا بعين الشرع؛ عرف ما جرته هذه الأفعال الغوغائية من بلايا وطوام على بلاد المسلمين؛ فكيف والشريعة قاضية بتحريمها، منددة بفسادها وإفسادها، ومع هذا نجد من لا يحجزه دين ولا ورع يفتي بجوازها؛ قال تعالى: "وَلا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لا يُفْلِحُونَ".
على أننا نتساءل عن المانع الذي منع المفتين ومن تابعهم بجوازها؛ من التظاهر للمطالبة بما هو أهم من إسقاط الحاكم؛ كالمطالبة بتحكيم الشريعة، أو المطالبة بهدم المشاهد والأضرحة، أو المطالبة بهدم مواخير الزنا، ومؤسسات الربا؛ أو المطالبة بتسريح من أسلمن من نساء النصارى، والمظاهرات عندهم وسيلة من وسائل الضغط على الحكام والمسئولين لتحقيق المطالب المشروعة؟!
فدعاة المظاهرات من الإخوان المفسدين ومن نحا نحوهم؛ لا يريدون إلا القفز على السلطة؛ وزعزعة الأمن والاستقرار، ونشر الفوضى والفساد؛ أما الدين، والعمل لمصلحة المسلمين؛ فهم من أبعد الناس عن ذلك، وإلا فلو سألناهم عن سبب تجويزهم للمظاهرات؛ لقالوا: لمصلحة البلاد والعباد؛ قلنا: فإن كان كذلك؛ فهذه المصلحة لا تكون إلا في نشر التوحيد، ومحاربة الشرك والبدع والخرافات والمعاصي، والرجوع إلى الكتاب والسنة بفهم سلف الأمة، والتحاكم إليهما لا إلى غيرهما؛ لا تكون في إسقاط الحكام، وزعزعة النظام، وإلا فقد أسقطتم الحاكم؛ فأي شيء فعلتم؟! وماذا غيرتم؟!
ليس ثمة تغيير يذكر؛ اللهم إلا تبادل أدوار، وتغيير وجوه؛ فلأن كان النظام السابق قد سقط؛ فقد بقيت أذنابه وفلوله بفكرهم الضال الذي يعادي الإسلام وأهله، ونهجهم العلماني الصريح، وظلمهم وجورهم واستعبادهم الرعية على الطريقة الفرعونية، وبقي الفساد الديني والأخلاقي ضارباً أطنابه.
فثبت بذلك؛ أن المظاهرات وأشباهها ليست وسيلة من وسائل الإصلاح؛ بل هي من فعل الهمج الرعاع الذين لا يعرفون معروفاً، ولا ينكرون منكراً، وأنها محرمة لا تجوز بحال لعدة أمور؛ منها:
1-  أن من أصول أهل السنة والجماعة المجمع عليها عدم منازعة الحاكم، وإن ظلم وجار واستأثر بالمال؛ إلا في حالة واحدة، وهي الكفر البواح الذي لا يختلف فيه اثنان؛ أما في غير هذه الحالة؛ فلا بد من الطاعة في غير معصية الله؛ قال صلى الله عليه وسلم: "إِنَّهَا سَتَكُونُ بَعْدِي أَثَرَةٌ وَأُمُورٌ تُنْكِرُونَهَا؛ قالوا يا رَسُولَ اللَّهِ: كَيْفَ تَأْمُرُ من أَدْرَكَ مِنَّا ذلك. قال: تُؤَدُّونَ الْحَقَّ الذي عَلَيْكُمْ، وَتَسْأَلُونَ اللَّهَ الذي لَكُمْ"، وسأله رجل؛ فقال: يا نَبِيَّ اللَّهِ أَرَأَيْتَ إن قَامَتْ عَلَيْنَا أُمَرَاءُ يَسْأَلُونَا حَقَّهُمْ، وَيَمْنَعُونَا حَقَّنَا؛ فما تَأْمُرُنَا؟ فَأَعْرَضَ عنه، ثُمَّ سَأَلَهُ؛ فَأَعْرَضَ عنه، ثُمَّ سَأَلَهُ في الثَّانِيَةِ، أو في الثَّالِثَةِ؛ فَجَذَبَهُ الْأَشْعَثُ بن قَيْسٍ؛ فقال صلى الله عليه وسلم: "اسْمَعُوا وَأَطِيعُوا، فَإِنَّمَا عليهم ما حُمِّلُوا، وَعَلَيْكُمْ ما حُمِّلْتُمْ"، والمظاهرات تنافي الصبر - الذي أمرنا به - على جور الولاة؛ خلافاً للخوارج والمعتزلة الذين يرون أن الخروج على الحكام؛ من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
2-  المظاهرات من دين الديمقراطية التي لا تعترف بحاكمية الله، ولا بحقوقه على عباده حكاماً ومحكومين؛ فهي لا تعترف إلا بسيادة الشعب، والحاكمية المطلقة له، ولا يخفى على اللبيب؛ أن دول الكفر أنفقت الأموال الطائلة لفرضها على المسلمين؛ بل ولجأت إلى القوة - أحياناً - لتحقيق هذه الغاية؛ ولو كان فيها نفع للإسلام والمسلمين ما كانت تقوم بكل هذا؛ فدل على أن الديمقراطية التي شرعها الغرب الكافر، وروج لها - بمكر ودهاء - في بلاد المسلمين؛ المراد منها زعزعة عقائد المسلمين، وأوطانهم، والتعلق بهم، والنظر بعين الانبهار إليهم، والانحراف بهم نحو الأخلاق المرذولة، والأفكار المنحرفة، وقد كان.
3-  المظاهرات من شر ضروب المنكر والفساد؛ فهي سبيل إلى سفك الدماء، ونهب الأموال، وانتهاك الأعراض، وفعل المنكرات، وإن زعم المتظاهرون أنها مظاهرات سلمية؛ فإن هذا الزعم يرده الواقع؛ فما من مظاهرة حدثت؛ إلا ووقع فيها ما لا يجيزه عقل، ولا شرع؛ فالمتظاهرون مفسدون من حيث لا يشعرون، وإن زعموا أنهم مصلحون؛ قال الله تعالى: "وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الفَسَادَ"، وقال تعالى: "وَلاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاَحِهَا".
4-  أنها ليست من قبيل النهي عن المنكر؛ لأن النهي عن المنكر له شروط؛ شروط في الناهي، وشروط في المنهي، وشروط في المنهي عنه، فمن شروط الناهي أن يكون عالماً بما ينهى عنه، والمتظاهرون ليسوا إلا همجاً رعاعاً لا يعرفون معروفاً، ولا ينكرون منكراً؛ بل إن أغلبهم لا يصلي، ويتلبس حال تظاهره بالعديد من المنكرات؛ كرفع الشعارات الكفرية، والتشبه في لباسه وعادته بالكفار، والاختلاط والسفور، وغير ذلك؛ فهلا بدأوا بأنفسهم فأنكروا عليها؛ فالإنكار يناط بأهله إن كانت الوسيلة مشروعة؛ لا بأمثال هؤلاء؛ كما أن الوسيلة لا بد أن تكون مشروعة، والمظاهرات ما عرفها المسلمون إلا من الغرب الكافر، ومن تشبه بقوم فهو منهم، وأيضاً فالإنكار على الحاكم يختلف عن الإنكار على سائر الناس؛ فليس إلا النصيحة، وفي السر أيضاً.
5-  المظاهرات من الفتن التي أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم أنها ستحدث في هذه الأمة بعده؛ قال صلى الله عليه وسلم: "تَعَوَّذُوا بِاللَّهِ من الْفِتَنِ ما ظَهَرَ منها وما بَطَنَ، قالوا: نَعُوذُ بِاللَّهِ من الْفِتَنِ ما ظَهَرَ منها وما بَطَنَ"؛ كما أنها من البدع الحادثة التي ذمها صلى الله عليه وسلم، ووصفها بأنها شر الأمور، وأنها ضلال.
6-  قد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم؛ عما سيكون في هذه الأمة من جور الحكام وظلمهم، واستئثارهم بالأموال، ومع ذلك؛ فقد أمر بالصبر عليهم، وأداء الحقوق لهم، وإن منعهم الحكام حقهم، وعدم منازعتهم سلطانهم؛ فلم يأمرهم بالمظاهرات، أو المسيرات السلمية، أو الإضرابات، أو التنديدات، أو الاعتصامات، وغيرها؛ مما يفعله ويقوله أرباب الليبرالية والعلمانية، وأذيالهم ممن نحا نحوهم من الإخوانية، وأدعياء السلفية، وهواة المناصب، وأهل الأهواء والأغراض والصيد في الماء العكر الذين يريدون الضرر بهذه الأمة.
بقيت مسألتان:
الأولى: زعم بعض الجهال أن المظاهرات وسيلة من وسائل حرية التعبير التي كفلها الإسلام.
والرد على هذه الشبهة: أن حرية التعبير مقيدة بما لم يكن فيه إثم؛ قال تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً"، وقال تعالى: "وَقُل لِّعِبَادِي يَقُولُواْ الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلإِنْسَانِ عَدُوّاً مُّبِيناً"، وقال تعالى: "وَقُولُواْ لِلنَّاسِ حُسْناً"، والمظاهرات وما يحدث فيها من الفحش والتفحش في الأقوال والأعمال، والإثم والبغي والظلم، وغير ذلك؛ لا علاقة لها من قريب أو بعيد بهذه التوجيهات الإلهية.
الثانية: أنه لم يأت نص في تحريمها؛ بل هي من النوازل التي تخضع للاجتهاد، والنظر.
والرد على هذه الشبهة: أننا أمرنا في النوازل أن نرجع إلى أهل الدين والورع، والاستنباط والفهم؛ قال تعالى: "وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ"؛ فامتثلنا أمر ربنا، وسئلنا الراسخين في العلم؛ العارفين بمقاصد الشريعة؛ علمائنا الأكابر؛ ابن باز وابن عثيمين والألباني والوادعي والغديان والفوزان، وغيرهم؛ عن حكم المظاهرات؛ فأفتوا بحرمتها؛ فهل أجازها أحد يضارعهم أو يقاربهم؛ أم أجازها كسير، وعوير، وثالث ما فيه خير؟
أولئك آبائي فجئني بمثلهم              إذا جمعتنا يا جرير المجامع
فلم يقل بجواز المظاهرات إلا أرباب الأقوال الكاسدة، والعقائد الفاسدة؛ ومن نحا نحوهم من الذين يتخبطون، ويتلونون، وفي كل واد يهيمون؛ لم يقل بجوازها أحد من أهل العلم الثقات، والحمد لله؛ فانظروا يا هؤلاء عمن تأخذون دينكم؟
اللهم اهد ضال المسلمين، وأصلح ذات بينهم، ووفق ولاة أمورهم لنصرة دينك، وتحكيم شرعك، واتباع نبيك؛ إنك جواد كريم، وصلى الله على محمد، والحمد لله رب العالمين.



حول أثر شبابة

حول أثر شبابة
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين نبينا محمد، وعلى آله وصحبه، ومن سار على نهجهم إلى يوم الدين ؛؛؛ أما بعد:
فقد ذكر الخلال في السنة (1/451) بسنده عن الأثرم؛ قال: "سمعت أبا عبدالله، وقيل له: شبابة؛ أي شيء تقول فيه؟ فقال: شبابة كان يدعو إلى الإرجاء؛ قال: وقد حكـي عن شبـابة قـول أخبث من هذه الأقاويل؛ ما سمعت أحداً عن مثله؛ قال: قال شبابة: إذا قال فقد عمل؛ قال: الإيمان قول وعمل كما يقولون؛ فإذا قال فقد عمل بجارحته؛ أي بلسانه؛ فقد عمل بلسانه حين تكلم. ثم قال أبو عبدالله: هذا قول خبيث؛ ما سمعـت أحـداً يقـول بـه، ولا بلغـني"اهـ
وقول شبابة: ]إذا قال فقد عمل بجارحته - أي بلسانه -[ صحيح في الجملة؛ فإن العرب تسمي الكلام عملاً.
قال أبو عبيد القاسم بن سلام رحمه الله: "المستفيض في كلام العرب غير المدفوع تسميتهم الكلام عملاً؛ من ذلك أن يقال: لقد عمل فلان اليوم عملاً كثيراً؛ إذا نطق بحق وأقام الشهادة ونحو هذا، وكذلك إن أسمع رجل صاحبه مكروهاً؛ قيل: قد عمل به الفاقرة، وفعل به الأفاعيل، ونحوه من القول؛ فسموه عملاً وهو لم يزده على المنطق"اهـ (الإيمان ص 29)
فإن كان كذلك؛ فلم نقم عليه الإمام أحمد رحمه الله، وذم مقولته؟
لأن شبابة أراد بقوله هذا؛ أن قول اللسان الذي هو النطق بالشهادتين يغني عن عمل الجوارح؛ فإذا نطق بهما فقد عمل؛ فمن ثم يكون قد حقق الإيمان بشقيه:القول والعمل؛ فلم يفرق بين نطق اللسان الذي هو الإقرار – وإن سمي عملاً – وبين أعمال الجوارح.
قال الآجري رحمه الله:"فمن لم يصـدق الإيمــان بعمـل جـوارحــه؛ مثل: الطهارة، والصلاة، والزكاة، والصيام، والحج، والجهاد، وأشباه لهذه، ورضي مـن نفسه بالمعرفـة والقـول؛ لم يكن مؤمناً، ولم تنفعه المعرفة والقول، وكان تركه للعمل تكذيباً منه لإيمانه، وكان العمل بما ذكرنا تصديقاً منه لإيمانه"اهـ (الشريعة ص 120)
فموافقة شبابة لأهل السنة في قولهم: الإيمان قول وعمل؛ لم تنفعه لأنه يفسر العمل بالقول، وهذا خطأ بلا ريب؛ فاللسان شاهد على ما في القلب من إيمان؛ وأعمال الجوارح مصدقة له، وإنما سمي منطق اللسان عملاً؛ لأنه جارحة، وأفعال الجوارح تسمى عملاً.
ومن هذا الباب ما كتبه حمد العتيق في رسالته (تنبيه الغافلين) - وتابعه عليه المدخلي - وهو يبين صورة تارك جنس العمل؛ حيث قال: "صورة المسألة هي في رجل نطق بالشهادتين؛ ثم بقي دهراً لم يعمل خيراً مطلقاً لا بلسانه ولا بجوارحه، ولم يعد إلى النطق بالشهادتين مطلقاً مع زوال المانع".
ففرق بين قول اللسان المخصوص - وهو الإقرار - وبين ما زاد على ذلك من أعمال اللسان؛ فإنه قال: (ولم يعد إلى النطق بالشهادتين مطلقاً مع زوال المانع)؛ فعد نطقه بالشهادة مرة أخرى من عمل اللسان، واللسان أحد الجوارح؛ فإن أتى بعمل اللسان فقد أتى بعمل الجوارح، ومن ثم لا يكون تاركاً لأعمال الجوارح.
وهذا عين كلام شبابة ولا فرق، وكوننا نفرق – أحياناً – ومن حيث النظر فحسب؛ بين قول اللسان وعمل اللسان؛ فهذا من باب تقريب المسألة في الأذهان، وإلا فما زاد على النطق بالشهادتين، وإن كان من عمل اللسان؛ فهو أيضاً قول؛ فمن ثم لا يغني عن أعمال الجوارح.
قال أبو عبيد القاسم بن سلام رحمه الله: "أعطى الله كل جارحة عملاً لم يعطه الأخرى؛ فعمل القلب: الاعتقاد، وعمل اللسان: القول، وعمل اليد التناول، وعمل الرجل: المشي، وكلها يجمعها اسم العمل؛ فالإيمان على هذا التناول إنما كله مبني على العمل"اهـ (الإيمان ص 28)
وقال رحمه الله: "وأما عمل اللسان؛ فقوله: "يَسْتَخْفُونَ مِنَالنَّاسِ وَلَا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لَا يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ وَكَانَ اللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطًا"؛ فذكر القول ثم سماه عملاً؛ ثم قال: "فإِنْ كَذَّبُوكَ فَقُلْ لِي عَمَلِي وَلَكُمْ عَمَلُكُمْ أَنْتُمْ بَرِيئُونَ مِمَّا أَعْمَلُ وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ"؛ هل كان عمل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا دعاؤه إياهم إلى الله، وردهم عليه قوله بالتكذيب، وقد أسماها ها هنا عملاً"اهـ (الإيمان ص 28-29)
والله أعلم، وصلى الله على نبينا محمد، والحمد لله رب العالمين


رد أعذار المبتدعة

رد أعذار المبتدعة
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، ومن والاه ؛؛؛ أما بعد:
فما زالت الأهواء تتجارى بأفراخ المرجئة؛ حتى آل أمرهم إلى إغلاق باب التبديع بالجملة، وقصره على الزنادقة فحسب؛ أمثال: الجهم والمريسي وابن عربي وغيرهم؛ أما من عداهم؛ ممن تلبس بكبار البدع وصغارها؛ فيقولون: (علماء عندهم أخطاء) ([1]) وقد علمت المرجئة أنه لا يوجد أحد على ظهر الأرض ليس عنده أخطاء؛ قال صلى الله عليه وسلم: "كل بني آدم خطاء"‍‍، أو يقولون: من أهل السنة فيما وافقوا فيه السنة! وقد علمت المرجئة أن السنة والبدعة نقيضان لا يلتقيان؛ فليس إلا سني، أو مبتدع؛ بيد أن أفراخ المرجئة يستنكفون من إطلاق ألفاظ (البدعة والضلالة) خشية أن تعود عليهم؛ فيصفهم الناس بها؟! فمن ثم اعتذروا لإخوانهم في الضلال؛ بما ستراه في هذا المقال الذي نكشف فيه عن جهلهم وتناقضهم.
ذكر شبهات المرجئة، والرد عليها:
أولاً:
الجهل:
قالوا: الجهل من موانع التبديع:
الجواب:
1-            أين في كتاب الله، أو في سنة رسوله صلى الله عليه وسلم، أو في منهج السلف الصالح؛ أن الجهل مانع من موانع التبديع؟
2-            أعظم أنواع الجهل أن يجهل الإنسان أصل دينه، وأهل البدع كلهم كذلك، ومع هذا اتفق أئمة السلف على تبديعهم؛ فلم يكن جهلهم إذاً؛ مانعاً من ذمهم، وتضليلهم.
3-            كيف يكونون جهالاً، وهم أئمة في العلم؟! فالنووي: إمام، والغزالي: حجة الإسلام، وابن حجر والسيوطي: حافظان، والشوكاني والصنعاني: إمامان، ورشيد رضا والقاسمي: علامتان.
4-            ابن قطب كان جاهلاً؛ فلم لم تعذروه؟! لماذا بدعتموه؟!
5-            قال عمر رضى الله عنه: (لا عذر لأحد في ضلالة ركبها؛ حسبها هدى، ولا في هدى تركه؛ حسبه ضلالة؛ فقد بُينت الأمور، وثبتت الحجة).
6-            وقال الشافعي: (لو عُذر الجاهل لأجل جهله؛ لكان الجهل خيراً من العلم؛ إذ كان يحط عن العبد أعباء التكليف، ويريح قلبه من ضروب التعنيف؛ فلا حجة للعبد في جهله بالحكم بعد التبليغ والتمكين؛ لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل).
ثانياً:
الحجة:
قالوا: لم تقم عليه الحجة.
الجواب:
1-            إنما الحجة تكون فيما خفي من المسائل؛ أما في العقائد وغيرها مما يشيع علمه؛ فلا يقال: لَمْ تقم عليه الحجة!
2-            وجود العلم عند المعين؛ كاف للجزم بأن الحجة قد بلغته؛ فكيف بمن كانت عنده كتب السلف، واطلع عليها، ونقل منها؛ بل ونقضها.
3-            الحجة قامت عليهم بشهادة إمامكم الألباني؛ حيث قال: (لا يشترط في إقامة الحجة الفهم، ولا إزاحة الشبهة)
4-            قال صلى الله عليه وسلم: "تركتكم على المحجة البيضاء؛ ليلها كنهارها؛ لا يزيغ عنها بعدي إلا هالك".
5-            وقال صلى الله عليه وسلم: "أربعة يحتجون يوم القيامة: الأصم، والأحمق، والهرم، والميت في الفترة". وليس فيمن نبدعهم: (أصم) أو (أحمق) أو (هرم)، وليس منهم أحد؛ مات في زمان الفترة!
6-            وقال صلى الله عليه وسلم: "لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يُسأل عن علمه"، وقال: "طلب العلم فريضه على كل مسلم"، وقال: "من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين". وأصل ذلك كله - بلا خلاف - هو العقائد التي تفرق بين (المسلم والكافر)، و(السني              والمبتدع).
7-            ولما سمع عبدالله بن عمر رضي الله عنه؛ بأن قوماً يتقفرون (يطلبون) العلم، ويقولون: لا قدر، والأمر أنف؛ تبرأ منهم. قبل أن يقيم عليهم الحجة؟! وقال معاوية بن قرة: (كنا إذا رأينا الرجل يقص قلنا: صاحب بدعة هذا) من غير إقامة حجة؟ وقال مالك؛ لما سأله السائل: كيف استوى؟ قال: (مبتدع؛ أخرجوه) ولم يقم عليه الحجة؟ وقال عبدالرحمن بن مهدي: ن(لوددت أنى قمت على رأس جسر فلا يمر أحد إلا سألته؛ فإن قال: القرآن مخلوق؛ ضربت عنقه، وألقيته فى الماء)، وقيل لعبدالله بن إدريس: قبلنا ناس من الموحدين يقولون: القرآن مخلوق؛ فقال: (كذبوا، ليس هؤلاء من الموحدين، هؤلاء زنادقة)، وقال الفضل بن دكين: (ما تكلم بهذه المقالة أحد إلا رمي بالزندقة). وقيل لغيره: عندنا قوم يقولون: الإيمان لا يزداد؛ فقال: (هؤلاء المرجئة الخبثاء) فما أظلم هؤلاء الأئمة؛ إذ حكموا بالبدعة على هؤلاء؛ قبل إقامة الحجة!
والآثار في هذا كثيرة جداً.
ثالثاً:
البيئة.
قالوا: لا شك أن البيئة لها دور، وهؤلاء نشأوا في زمن غلبت عليه الأشعرية؛ فلم يتبين لهم الحق؛ مع حرصهم على طلبه، وهذا النبي صلى الله عليه وسلم، يقول: (كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه).
الجواب:
1-            قال ابن وهب: "سمعت مالكاً؛ قيل له: إن أهل الأهواء يحتجون بهذا الحديث؟! قال مالك رحمه الله: (احتج عليهم بآخره: أرأيت من يموت وهو صغير؟! فقال صلى الله عليه وسلم: الله أعلم بما كانوا عاملين)".
2-            وقال أحمد رحمه الله: (الفطرة التي كتبها الله عليه: شقي أو سعيد)؛ فصار الحديث حجة عليهم؛ لأن من صار إلى الشقاء والبدعة؛ فقد علمنا أنه قد صار إلى فطرته.
3-            ثم في الحديث: "فأبواه يهودانه أو ينصرانه"! فهل تحتجون بذلك على أنه ليس بيهودي ولا نصراني!؟ فبطل إذن أن يكون في الدنيا يهود ونصاري وكفار؛ بسبب عذر البيئة؟!
4-            الذين هوَّدهم أهلوهم وهم صغار، واستمروا على ذلك حتى كبروا؛ هم - بالإجماع -كفار! والذين نشأوا على البدعة؛ ثم كبروا واستمروا على ذلك؛ هم - بالإجماع - مبتدعة!
5-            قال عبدالله بن مسعود رضي الله عنه: (لا يكونن أحدكم إمَّعة؛ يقول: أنا مع الناس: إن اهتدوا اهتديت، وإن ضلوا ضللتُ! ألا ليوطنن أحدكم نفسه على أنه إن كفر الناس أن لا يكفر). وكذلك إن ابتدعوا؛ ألا يبتدع!
6-            البيئة لا تكون عذراً؛ إلا فيمن (نشأ ببادية بعيدة)، كذاك الأعرابي الذي لم يعلم حرمة الزنا (صحيح البخاري)؛ فعذره عمر بالجهل؛ أما (عالم؛ بل إمام، وحافظ، وعلامة) و(في بلاد الحضر والكتب!) فأي عذر له؟!
7-            بيئة العالم إن كانت ضالة؛ فالمطلوب منه أن يصلحها؛ بعلمه والرجوع إلى هدي السلف الصالح؛ لا أن يتأثر بها، ويرضخ لها.
8-            العالم له بيئة أعلى وأقوى وأوسع من بيئته التي يعيش وسطها! وهي الكتب؛ كما قال عبدالله بن المبارك رحمه الله؛ لما عابوا عليه العزلة؛ قال: (أجلس مع صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم)!
9-            لو كانت البيئة عذراً للعالم؛ لكانت عذراً - من باب أولى - لغير العالم، وبيئة المبتدعة هي الغالبة على بلاد المسلمين؛ فإنها ثنتان وسبعون فرقة؛ أما أهل السنة فقليلون؛ فهل  تعذرون المسلمين جميعاً؛ فلا مشرك، ولا كافر، ولا مبتدع؟!
أو تقولون - مثلاً -: دمشق كلها زمن النووي؛ معذورة!
10-      كفار قريش قبل الإسلام؛ بيئتهم جاهلية، ومع هذا أكفرهم الله تعالى، وسماهم: مشركين. ورغم هذه البيئة الجاهلية؛ فقد عرف الحق؛ أناس منهم؛ كورقة بن نوفل، وزيد بن عمرو.
11-      ابن تيمية كان على مذهب آبائه وأجداده؛ فلم يمنعه ذلك؛ من الوصول إلى الحق، ومعرفته؛ قال: (وأنا وغيري كنا على مذهب الآباء في ذلك؛ نقول في الأصلين بقول أهل البدع؛ فلما تبين لنا ما جاء به الرسول؛ دار الأمر بين أن نتبع ما أنزل الله، أو نتبع ما وجدنا عليه آباءنا؛ فكان الواجب هو اتباع الرسول، وأن لا نكون ممن قيل فيه: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنزلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا}، وقد قال تعالى:} قَالَ أَوَلَوْ جِئْتُكُمْ بِأَهْدَى مِمَّا وَجَدْتُمْ عَلَيْهِ آبَاءَكُمْ{ وقال تعالى: {وَوَصَّيْنَا الإنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا}،}وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ{؛ فالواجب اتباع الكتاب المنزل، والنبي المرسل، وسبيل من أناب إلى الله؛ فاتبعنا الكتاب والسنة؛كالمهاجرين والأنصار؛ دون ما خالف ذلك من دين الآباء، وغير الآباء).
12-      بقاء المرء في هذه البيئة؛ حجة عليه؛ قال صلى الله عليه وسلم: "من كَثَّر سواد قوم فهو منهم".
13-      لو كان البيئة عذراً في كتمان الحق؛ فليست بعذر في قول غير الحق؛ قال ابن تيمية: (وكتمان الدين شيء، وإظهار الدين شيء آخر، فهذا لم يبحه الله تعالى قط؛ إلا لمن أكره؛ بحيث أبيح له النطق بكلمة الكفر، والله تعالى قد فرق بين المنافق، والمكره).
رابعاً:
الخطأ.
قالوا: هم لم يتعمدوا المخالفة، وفي الآية: } رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا {؛ فقال الله تعالى: قد فعلت، وفي الحديث: "إذا حكم الحاكم فاجتهد فأصاب؛ فله أجران، واذا حكم فاجتهد فأخطأ؛ فله أجر واحد".
الجواب:
1-            القول: إنهم لم يتعمدوا المخالفة: تخرص، وظن، والظن أكذب الحديث؛ قال إمامكم الشاطبي: (المبتدع: جعل الهوى أول مطلبه؛ وأخذ الأدلة بالتبع).
2-            الحكم بالبدعة والفسوق؛ مبناه على الظاهر؛ أما الباطن فنكله إلى عالمه؛ قال عمر رضي الله عنه: (إن أناساً كانوا يُؤخذون في عهد رسول الله بالوحي، وإن الوحي قد انقطع؛ فمن أظهر لنا خيراً أحببناه وقربناه، ومن أظهر شراً أبعدناه وأبغضناه).
3-            المؤمنون الذين قبل الله منهم هذا الدعاء؛ هم أنفسهم - ومن سار على هديهم - الذين بدعوا أهل البدع من الخوارج والقدرية والمعتزلة والجهمية والمرجئة، وغيرهم، وأمروا بهجرهم، وحذروا الناس من ضلالهم. ‍
4-            أما الحديث: ففي القاضي، ومسائل القضاء يدخلها الاجتهاد؛ بخلاف مسائل الاعتقاد.
5-            قائل هذا الحديث: هو نفسه صلى الله عليه وسلم؛ القائل: "تفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة". يعني في الأقوال والمعتقدات.
6-            في قصة صبيغ، وكان يطلب العلم - وهو رفيع في قومه - فأخطأ في طلبه؛ فلم يعذره عمر رضي الله عنه، ولم يشكره، ولا قال: متأول معذور! أو مجتهد مأجور!؛ بل قال: (إن صبيغاً طلب العلم فأخطأه) وضربه، وسَيَّره، وأمر بهجره؛ (فلم يزل وضيعاً في قومه)؛ رغم أن مسائله لم تكن من مسائل أهل البدع؛ في تأويل الأسماء والصفات وحديث النزول والحرف والصوت واليد والأصابع وغيرها!؟ وآيات الاستواء والإتيان والمجيء والرضا والغضب وغيرها.
7-            وفي قصة عبدالله بن مسعود رضي الله عنه؛ الذي قال فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم: (تمسكوا بهدي ابن أم عبد) في القوم الذين كانوا يسبحون على الحصى في المسجد؛ فقال لهم: (لأنتم على ملة هي أهدى من ملة رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ أو لأنتم مفتتحوا باب ضلالة؟ فقالوا: ما أردنا إلا الخير! ولم يعذرهم بشيء من تلكم الأعذار التي اخترعتها المرجئة!
8-            القائل بهذا العذر؛ لا يتصور الكفر والبدعة؛ إلا عن عناد وحجود! وهذا عين الإرجاء.
9-            النية الصالحة - زعموا - مع الجهل تنتج البدعة؛ فيحسب صاحبها أنها هي السنة، ولو صدقت نيته لتعلّم، وسلّم؛ قال ابن النحاس: (ولا ينبغي أن يحتج بأن نيته .. والسنة وأقوال الصحابة رضي الله عنهم؛ تدلك على ذلك؛ فقد أنكر النبي صلى الله عليه وسلم على الرجل الذي خطب فقال: من يطع الله ورسوله فقد رشد ومن يعصهما، ولم يسأله عن نيته ولا ما أراد! وأنكر النبي صلى الله عليه وسلم على من قال: ما شاء الله وشئت، ولم يسأله عن نيته).
10-      بدع السلف الصالح رضوان الله عليهم؛ أقواماً بأعيانهم، ولم يعتبروا هذا العذر البدعي: (النية) ولا غيره من الأعذار البدعية -كالخطأ والاجتهاد والتأويل وغير ذلك - مع أن منهم العلماء والعُبّاد والزهاد.
11-      شرط البدعة من المبتدع أن تكون نيته غير فاسدة؛ إذ لو كان كذلك؛ لكان كافراً؛ لأنه يقصد إفساد الدين، وهذا ظاهر.
12-      أكثر المبتدعة يقصدون البدعة؛ أي مخالفة السلف الصالح؛ لاعتقادهم أن هديهم ليس كافياً، وقولهم في هذا معروف: (مذهب السلف أسلم، ومذهب الخلف أعلم وأحكم)! وكثير منهم يصفون أئمة السلف؛ بالغفلة أو بالبدعة أو بالجهل، أو بالكفر؛ كالخوارج والروافض والقدرية، أو بالتشدد؛ كالمرجئة!
خامساً:
الاجتهاد.
قالوا: هم مجتهدون معذورون.
الجواب:
1-            من شروط الاجتهاد الذي يعذر المخطئ فيه:   
أ‌-                     أن تكون المسألة محل اجتهاد؛ أما مع وجود النص والإجماع؛ فلا اجتهاد، ولا نظر. قال أبو المظفر السمعاني: "وأما أهل الحق: فجعلوا الكتاب والسنة أمامهم، وطلبوا الدين من قبلهما، وما وقع من معقولهم وخواطرهم عرضوه على الكتاب والسنة؛ فإن وجدوه موافقاً لهما قبلوه، وشكروا الله عز وجل؛ حيث أراهم ذلك ووفقهم إليه، وإن وجدوه مخالفاً لهما؛ تركوا ما وقع لهم، وأقبلوا على الكتاب والسنة، ورجعوا بالتهمة على أنفسهم، فإن الكتاب والسنة لا يهديان إلا إلى الحق، ورأي الإنسان قد يرى الحق، وقد يرى الباطل).
ب‌-          قال صلى الله عليه وسلم: "إذا ذُكر الله فأمسكوا، وإذا ذُكر القدر فأمسكوا، وإذا ذُكر الصحابة فأمسكوا".
ت‌-          واتفق أهل العلم على أن العقائد والعبادات توقيفية، والحجة فيها هدي السلف الصالح رحمهم الله؛ "من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد".
ث‌-          كل النصوص في النهي عن البدع؛ تشمل من باب أولى؛ العقائد؛ فلا يعذر فيها أحد، وإلا لم تكن ثنتان وسبعون فرقة ضالة!
ج‌-            قال سفيان بن عيينة: (ليس لأحد أن يفسره إلا الله تبارك وتعالى أو رسله صلوات الله عليهم)، وقال عبدالله ابن المبارك: (الدين لأهل الحديث، والكذب للرافضة، والكلام للمعتزلة، والحيل لأصحاب الرأي أصحاب أبي حنيفة)، وقال ابن القيم: (لم يتنازعوا في آيات الصفات وأخبارها في موضع واحد، بل اتفق الصحابة والتابعون على إقرارها وإمرارها مع فهم معانيها وإثبات حقائقها)، وقال ابن البنا: (أهل السنة لا يختلفون في شيء من هذه الأصول، ومن فارقهم في شيء منها نابذوه وباغضوه وبدعوه وهجروه)، وقال السجزى: (وقد اتفقت الأئمة على أن الصفات لا تؤخذ إلا توقيفاً، وكذلك شرحها لا يجوز إلا بتوقيف) و(ومن نفى الحرف والصوت؛ فهو مبتدع).
ح‌-            فلا اجتهاد في الأصول؛ قال الشافعي: (الأصول كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم والإجماع، ولا يقال للأصل: لم، ولا كيف)، وقال رحمه الله: (تناظروا في شيء إن أخطأتم؛ يقال لكم: أخطأتم، ولا تناظروا في شيء إن أخطأتم؛ يقال لكم: كفرتم) فهذا نهي عن المناظرة في العقائد؛ لأنها محل إجماع، والخطأ فيها دائر بين الكفر، والبدعة.
خ‌-            وقد أجمع أهل العلم على أنه لا يجوز الاجتهاد إلا فيما اختُلف فيه - أي اختلف فيه السلف الصالح رحمهم الله تعالى - لا فيما اتفقوا عليه! قال أبو المظفر السمعاني: (فأما الضرب الذي لا يسوغ فيه الاختلاف؛ كأصول الديانات من التوحيد وصفات الباري عز اسمه، وهي تكون على وجه واحد؛ لا يجوز فيه الاختلاف، وكذلك فروع الديانات التي يعلم وجوبها بدليل مقطوع به؛ مثل الصلاة والزكاة والصوم والحج، وكذلك المناهي الثابتة بدليل مقطوع به؛ فلا يجوز اختلاف القول في شيء من ذلك. فأما الذي يسوغ فيه الاختلاف، وهي فروع الديانات إذا استخرجت أحكامها بأمارات الاجتهاد ومعاني الاستنباط؛ فاختلاف العلماء فيه مسوغ، ولكل واحد منهم أن يعمل فيه بما يؤدي إليه اجتهاده).
2-            أن يكون الاجتهاد على أصل صحيح (لا اجتهاد إلا على نص؛ لا على قياس ورأي)
أ‌-                    قال الشافعي في أبي حنيفة: (كان يضع أول المسألة خطأ؛ ثم يقيس الكتاب كله عليه). وقال في مناظرته مع محمد بن الحسن صاحب أبي حنيفة؛ حول فضل مالك على صاحبه؛ حين قال محمد بن الحسن: صاحبك - يعني مالكاً - لا عقل له - يعني لا رأي له - فاستحلفه الشافعي بالله: هل مالك أعلم بالكتاب والسنة من صاحبك؟! فحلف له أنه أعلم من صاحبه! فقال الشافعي: (إنما بقي القياس على الأصول؛ فمن لا يعرف الأصول؛ لا يعرف القياس)، وقال ابن تيمية: (لا يخلو أمر الداعي من أمرين: مجتهد ينظر في تصانيف المتقدمين من القرون الثلاثة، ومقلد يقلد السلف إذ هم خير القرون) أما مجتهد يجعل الكلام هو أصله، ويبني عليه؛ فهذا مبتدع ضال؛ قال الشافعي وأحمد وغيرهما من الأئمة - رحمهم الله تعالى -: (ما أفلح صاحب كلام)  (لا يكاد ينظر أحد في الكلام إلا وفي قلبه دغل).
ب‌-          قال أحمد: (صاحب الكلام وإن أصاب بكلامه السنة؛ فليس من أهل السنة حتى يدع الجدل ويُسلّم) فإذا كان - وقد أصاب - ليس من أهل السنة؛ فكيف وقد أخطأ؟!
3-            أن يكون الاجتهاد ممن توافرت فيه شروط الاجتهاد؛ فمن لم يكن كذلك؛ فهو أهل للذم والعقاب، وأهل البدع ليسوا أهلاً للاجتهاد؛ لأنهم لو كانوا أهلاً له؛ لأصابوا السنة في أعلى أمورها، وهو الاعتقاد.
4-            المجتهد هو الحريص على السنة؛ الحريص على موافقتها؛ الحريص على أن يكون من أهلها.
5-            قد اجتهد الخوارج في طلب الحق؛ لكن لما لم يكونوا من أهله؛ كانوا مذمومين؛ بل (شرار الخلق).
6-            هذه الشروط متفق عليها - ولله الحمد - بين أهل العلم؛ فاذا سقط شرط منها بطل الاجتهاد، وحق العقاب؛ فلا أجر ولا عذر؛ بل الذم والهجر.
7-            الخوارج اجتهدوا، ولم يعذرهم النبي صلى الله عليه وسلم؛ بل قال فيهم: "شرار الخلق"! وكل أهل البدع أخطأوا أو اجتهدوا أو تأولوا؛ ومع هذا؛ قال فيهم صلى الله عليه وسلم: "تفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة؛ كلها في النار إلا واحدة"، و"تركتكم على المحجة البيضاء؛ ليلها كنهارها؛ لا يزيغ عنها بعدي إلا هالك".
8-            وكذلك اليهود والنصارى؛ أخطأوا - اجتهدوا - تأولوا؛ فهل لا يصيرون كفاراً بذلك؟!
سادساً:
التقليد.
قالوا: هم مقلدة لمن سبقهم من أهل العلم؛ فيعذرون بهذا.
الجواب:
1-            من يقلد ليس بعالم - كما قال ابن عبدالبر وغيره - وأنتم تدعون لهم الإمامة في العلم، والتبحر فيه؛ فكيف يجتمع النقيضان؟!
2-            لا تقليد في العقائد، ولا اجتهاد فيها؛ بل هو الاتباع والتسليم..
3-            التقليد ليس عذراً، وإلا لعذر الله المشركين؛ لما احتجوا بالتقليد؛ قائلين }إِنَّا وَجَدْنا آباءَنا عَلى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلى آثارِهِمْ مُقْتَدُونَ {فالتقليد مذموم شرعاً؛ فضلاً عن أن يكون عذراً شرعياً؛ والأعذار ما لم تكن أعذاراً شرعية؛ فهي أعذار بدعية.
4-            قال ابن مسعود رضي الله تعالى عنه: (لا تقلدوا دينكم الرجال) و(لا يكن أحدكم إمعة) وقال أحمد: (لا تقلدني ولا تقلد مالكاً ولا الثوري ولا الأوزاعي وخذ من حيث أخذوا)، وقال ابن بطة: (من اقتفى آثار السلف لم يُبدّع). وقال إمامكم الشاطبي: (دخل في مسمى أهل الابتداع؛ إذ كان من حق من كان هذا سبيله؛ أن ينظر في الحق ويسأل حتى يتبين).
5-            لو كان التقليد حجة وعذراً؛ لما أقيمت الحجة على أحد، ولما صار على الأرض مبتدعة! بل ولما أنكرنا على أحد أصلاً؛ إذ ما من أحد إلا وسيحتج بالتقليد قائلاً: أنا أقول بقول فلان! وقوله: أقول بقول فلان؛ هو في نفسه بدعة؛ إذ لم يؤمر باتباع فلان هذا في أمره كله؛ بل باتباع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفهم سنته على هدي السلف الصالح رحمهم الله تعالى.
سابعاً:
الغالب (التمحض)!
قال الألباني (شريط (470/1) و(3/2/65و6/2/500): (لو أن عالماً وقع في بدعة وأقام الحجة عليه عالم هو أعلم منه، فهل صار ذلك العالم الذي أقيمت عليه الحجة مبتدعاً؟ سنقول: لا؛ المبتدع الذي من عادته الابتداع في الدين، وليس الذي يبتدع بدعة واحدة، ولو كان هو فعلاً ليس عن اجتهاد، وإنما عن هوى؛ فهذا لا يسمى مبتدعاً، وبيانه أن الحاكم قد يعدل في بعض أحكامه؛ فلا يسمى عادلاً؛ الإنسان بما يغلب عليه) (لا يوصف المرء بالبدعة حتى يتمحض فيها)!
الجواب:
1-            صاحب الحق ليس مع الغالب! بل هو مع الحق؛ غالباً كان أو مغلوياً، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً؛ تمنعه عن الظلم فتلك نصرتك إياه)؟
2-            ما عدد هذا الغالب؟! وما عدد ذلك المغلوب؛ حتى يصير دائماً مغلوباً؟! الحق أنه لا عدد له في هذا ولا ذاك؛ فالمبتدع الذي يؤول صفة أو صفتين أو عشراً؛ ما يزال عندهم من أهل السنة!
3-            حسنة الإسلام تمحو سيئات كثيرة؛ بل كل السيئات؛ لمن كان كافراً فأسلم، وكذلك سيئة الشرك؛ تمحو حسنات كثيرة؛ بل كل الحسنات. والإسلام والسنة قرينان، والشرك والبدعة قرينان - صرح بذلك غير واحد من السلف كأبي بكر بن عياش - غير أنه لا يكفر المبتدع إلا ببدعة مكفرة.
4-            الذي يقول بغير ذلك مرجئ؛ لأنه يزعم أنه كما لا يضر مع الإيمان شيء؛ فلا يضر معه بدعة! بلى والله؛ إن الصغائر تضر؛ فكيف بالبدع, وهي كبائر؟!
5-            ومن إرجائه الغالي؛ قوله: لا يكون مبتدعاً حتى لو كانت بدعته عن هوى.
6-            المسلم مأمور باتباع الصواب وترك المشتبهات؛ ليسلم دينه وعرضه؛ فإذا احتج المرجئ بأن أهل السنة اختلفوا في كذا؛ قلنا له: فقف على ما اختلفوا فيه، ولا تختلف فيما اتفقوا عليه؛ فتكون مخالفاً لهم!
وقد اتفقوا على تضليل من أوَّل النزول والاستواء والإتيان والمجيء والضحك والعجب واليد وغيرها، وعلى وصف من أوَّل صفة واحدة من ذلك؛ بالتجهم.
7-            ليست البدعة بأعز من السنة؛ فلا يوصف المرء بالسنة؛ حتى يتمحض فيها!
8-            هذا الأصل الباطل الذي اخترعه إمامكم في الإرجاء ؛ السلف الصالح قاطبة على خلافه؛ فهذا مسعر بن كدام؛ ليس عنده إلا الاستثناء؛ يتركه خشية أن يكون من باب الشك، ومع ذلك لا يصلي عليه سفيان الثوري رحمه الله، ويوصف بأنه مرجئ!
9-            قد قال صلى الله عليه وسلم في ذنب واحد: (من ترك صلاةً متعمداً فقد برئت منه الذمة) وقال لرجل في كلمة واحدة قالها: (ثكلتك أمك)، وقال صلى الله عليه وسلم: (إن المرء ليتكلم بالكلمة من سخط الله تعالى عليه لا يلقي لها بالاً يهوي بها في النار أبعد ما بين السماء والأرض)، وقال صلى الله عليه وسلم: (لقد قلت كلمة لو مزجت بماء البحر لمزجته) وهي كلمة واحدة! وترك الصلاة على بعضهم لذنب واحد فقط، والمسلم الذي يدخل النار بذنب، و(دخلت امرأة النار في هرة)، وعمر رضي الله عنه؛ فعل ما فعل بصبيغ - وكان يُذكر بعلم ومنزلة في قومه - بسبب خطأ واحد، وعبدالله بن مسعود رضي الله عنه ضلل الذين يسبحون على الحصى؛ ببدعة واحدة، وعبدالله بن عمر رضي الله عنه؛ يسب ابنه سباً شديداً، ولا يكلمه حتى مات؛ بسبب ذنب واحد (حديث خروج النساء للمساجد)! وكذلك فعل عبدالله بن مغفل رضي الله عنه، وحذيفة بن اليمان رضي الله عنه؛ يقول: (إن كان الرجل ليتكلم بالكلمة على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم  فيصير بها منافقاً، وإني لأسمعها من أحدكم في المجلس الواحد عشر مرات) – كلمة واحدة - وأنس وعبادة بن قرط الليثي وأبو سعيد الخدري رضي الله عنهم؛ قالوا: (إنكم لتأتون أموراً هي أدق في أعينكم من الشعر؛ كنا نَعُدُها على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم من الموبقات)، وقال أبو مسلم الخولاني رحمه الله: (إنْ عدلتَ على أهل الأرض جميعاً، ثم جُرْتَ على رجل واحد؛ مال جورك بعدلك)، وقال إبراهيم النخعي رحمه الله: (كان يقال: العَدْل في المسلمين من لم تظهر له ريبة)؛ (كان يقال) يعني عند السلف الصالح، وعند الثوري (من ترك خصلة واحدة من خصال السنة لم ينفعه عمله كله)، وكان يقول: (من رأيته يفعل كذا فاتهمه على دينه) وهو شيء واحد! وقال فيمن يترك الاستثناء فقط: مرجئ، ومالك رحمه الله؛ في سؤال: (كيف استوى) فقط؛ قال للسائل: (مبتدع)! وقال هو وأبو زرعة: (من تنقص أحداً من الصحابة رضى الله عنهم) فذكر واحداً فقط! وقال سفيان بن عيينة رحمه الله: (السنة عشرة، فمن كُن فيه فقد استكمل السنة، ومن ترك شيئاً منها فقد ترك السنة) (ومن تركها كسلاً أو تهاوناً بها أدبناه، فكان بها ناقصاً - هكذا السنة؛ فكيف بالبدعة؟! وقال سليمان بن حرب رحمه الله: (من زال عن السنة شعرة فلا تَعْتَدَّن به)، وقال حرب الكِرْماني: (هذا مذهب أئمة أهل العلم وأصحاب الأثر وأهل السنة المعروفين بها المقتدى بهم فيها، وأدركت من أدركت من علماء أهل العراق والحجاز والشام وغيرهم عليها، فمن خالف شيئاً من هذه المذاهب، أو طعن فيها أو عاب على قائلها؛ فهو مبتدع خارج عن الجماعة؛ زائل عن منهج السنة وسبيل الحق، وهو مذهب أحمد وإسحاق بن إبراهيم بن مخلد (ابن راهويه) وعبدالله بن الزبير الحميدى وسعيد بن منصور وغيرهم ممن جالسنا وأخذنا عنهم العلم)، وقال السجزي: (فأئمتنا: كسفيان الثوري ومالك وسفيان بن عيينة وحماد بن سلمة وحماد بن زيد وعبدالله بن المبارك وفضيل بن عياض وأحمد بن حنبل وإسحاق بن إبراهيم الحنظلي؛ متفقون على أن الله سبحانه بذاته فوق العرش، وأن علمه بكل مكان، وأنه يُرى يوم القيامة بالأبصار، وأنه ينزل إلى السماء الدنيا، وأنه يغضب ويرى ويتكلم بما شاء؛ فمن خالف شيئاً من ذلك؛ فهو منهم بريء، وهم منه براء)، وذكر البربهاري عن السلف الصالح، وأئمة السنة؛ أنه لا يوصف المرء بالسنة حتى تكتمل فيها جميع خصال السنة، وقال ابن المبارك: (من كفر بحرف من القرآن فقد كفر) - وهذا مجمع عليه - ويزيد بن هارون؛ لما حدث بحديث الرؤية، وقال له رجل: ما معنى هذا الحديث؟ غضب، وقال: (ما أشبهك بصبيغ، وأحوجك إلى مثل ما فُعِل به) - حديث واحد – وتحذير أحمد من داود والكرابيسي والمحاسبي وهشام بن عمار ويعقوب بن شيبة؛ بسبب خطأ واحد فقط، وقال السجزي: (كل من ردَّ الأمر إلى نفسه؛ فهو قدري. وكل من زعم أن الإيمان قول مفرد أو قول ومعرفة؛ فهو مرجئ. وكل من يبغض أبا بكر وعمر وعثمان، أو واحداً منهم وأنكر إمامته وتقدمه وفضله؛ فهو رافضي، وكل من تنقص عثمان أو علياً وعائشة ومعاوية وأبا موسى وعمرو بن العاص رضي الله عنهم؛ فهو خارجي) وقال ابن البنا: (أهل السنة لا يختلفون في شيء من هذه الأصول، ومن فارقهم في شيء منها نابذوه وباغضوه وبَدَّعوه وهجروه)، وهذا كله في شيء واحد.
10-      شرط السنة تجنب البدعة؛ كما أن شرط الإيمان تجنب ما ينفيه: قال صلى الله عليه وسلم: (والله لا يؤمن من لا يأمن جاره بوائقه)، وقال: (لا إيمان لمن لا حياء له)، وقال: (لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن)؛ فنُزع منه اسم الإيمان، مع بقاء اسم الإسلام عليه، وذلك لمعصية غير مكفرة؛ فكذلك ينُزع منه اسم السنة؛ مع بقاء اسم الإسلام عليه، وذلك لبدعة غير مكفرة؛ فكما لا يقال: (مؤمن فاسق) بل: (مسلم فاسق)؛ فكذلك لا يقال: (سني مبتدع)؛ بل: (مسلم مبتدع).
ثامناً:
خالف الأشاعرة في مسائل!
الجواب:
1-            هذه لها تعلق بـ (الغالب) وقد سبق الرد عليها، ولكن لا بأس من زيادة بيان:
أ‌-                 من تدافعون عنهم؛ يكذبونكم؛ فها هو النووي يقول: (قال أصحابنا) يقصد: الأشاعرة. وها هو ابن حجر يذكر عقيدة السلف، وينقضها بعقائد ابن العربي، والخطابي، وابن بطال، وغيرهم من رؤوس الأشاعرة.
ب‌-           إذا قيل: فلان كافر. فهل يفهم من ذلك؛ أنه جمع كل أنواع الكفر؟! وكذلك الحال إذا قيل: فلان مبتدع؛ فليس معنى ذلك؛ أنه جمع أصناف البدع كلها.
ت‌-           من سرق ألف دينار؛ يقال له: سارق! وكذلك من سرق ديناراً واحداً! ومن زنى بألف امرأة؛ يقال له: زاني! وكذلك من زنى بامرأة واحدة، وهكذا؛ فكذلك الحال إذا خالف السنة ببدعة واحدة؛ فإنه يصير مبتدعاً، ولا يقال: حتى يغلب عليه الابتداع، فإن هذا القول نفسه بدعة؛ يصير به صاحبه مبتدعاً مرجئاً!
ث‌-           لو أن رجلاً أطاع في أمره كله؛ ثم زنى أو سرق؛ فهل يقال له: مؤمن، أو فاسق؟! ولو آمن بالقرآن كله، ثم كفر بحرف واحد منه - عالماً به - فهل يقال له: مؤمن، أو كافر؟! فهل العبرة بالغالب؛ يا أفراخ المرجئة.
ج‌-             ولو أن رجلاً أتى بكل خصال السنة - أي أصولها - ثم فضل علياً على أبي بكر وعمر رضي الله عنهما؛ فهو شيعي؟ ولو أتى بالسنة كلها؛ إلا أنه قال: الإيمان قول، أو لم يذكر الاستثناء، أو قال: لا يزيد؛ فهو مرجئ؟! ولو أتى بالسنة كلها؛ إلا أنه قال: الخير والشر ليس بقدر؛ فهو قدري؟! ولو أتى بالسنة كلها؛ ثم رأى الخروج على أمراء الجور؛ فهو خارجي.
ح‌-             هل لا يسمى المرء خارجياً؛ حتى تكون فيه صفات الخوارج كلها؟! وهل لا يسمى المرء مرجئاً؛ حتى تكون فيه صفات المرجئة كلها؟! وهل لا يسمى المرء شيعياً؛ حتى تكون فيه صفات الشيعة كلها؟! وهكذا.
خ‌-             فالمرء يسمى باسم الفرقة المبتدعة؛ متى وجدت فيه خصلة واحدة منها.
د‌-               ثم هو عندكم ليس أشعرياً لأنه خالف الأشاعرة في مسائل! وهو أيضاً قياساً على قولكم: ليس سنياً؛ لأنه خالف أهل السنة في مسائل؛ فماذا عساه يكون! منزلة بين المنزلتين؟!
تاسعاً:
السبق؟
قالوا: من سبقك في تبديع: النووي، وابن حجر، والألباني، وربيع، وغيرهم ممن ذكرتَ؟
الجواب:
1-            عدم العلم؛ لا يعني العلم بالعدم؛ "فلا تجعل جهلك بالقائل به حجة على الله ورسوله؛ بل اذهب إلى النص ولا تضعف، واعلم أنه قد قال به قائل قطعاً، ولكن لم يصل إليك".
2-            من سبق إمامكم المدخلي؛ في تبديع ابن جبرين، وبكر أبو زيد؛ بل في تبديع ابن قطب - نصاً -؟ ومن سبق إمامكم الألباني؛ في تكفير السقاف؟ ومن سبق ابن باز؛ في تكفير صدام وبورقيبة والقذافي؟ ومن سبق ابن باز؛ في تضليل فرقتي الإخوان والتبليغ، والحكم عليهما بأنهما من الفرق النارية؟
3-            مسائل التكفير والتبديع والتفسيق؛ مبنية على العلم؛ لا على السبق والتقليد؛ فمن علم؛ حجة على من لم يعلم، وعلى هذا؛ فلا يقال: من سبقك؟ إنما يقال: ما دليلك؟
4-            من هو المبتدع عندكم، وما هي صفته؟ إذا كان الباقلاني والجويني والبيهقي والغزالي والنووي وابن حجر والشوكاني والصنعاني، وغيرهم؛ ليسوا مبتدعة؛ فمن المبتدع إذن؟
5-            أنتم ومشايخكم تقولون: هؤلاء وافقوا السنة في أشياء؛ فهم من أهل السنة فيما وافقوا فيه السنة؛ فلا ينسبون إلى السنة بإطلاق؛ كما لا ينسبون إلى البدعة بإطلاق. والسؤال: أبو حنيفة، وابن أبي سليمان، وابن خازم، وواصل بن عطاء، ونافع بن الأزرق، ويعقوب بن شيبة، وقتادة، وابن أبي رواد، وعمرو بن مرة، وشبابة، وابن طهمان، ومسعر، والكرابيسي، والمحاسبي، وداود، وابن قيس الماصر، وابن أبي يحيى الأسلمي، وعلي بن الجعد، وغيرهم كثير جداً.
أ‌-                    ماذا كانت أصولهم؛ قبل وقوعهم في البدعة؟
ب‌-          هل خالفوا كل أصول السنة - لو فعلوا لكفروا - أم اجتمعت فيهم: سنة وبدعة؛ فوافقوا أهل السنة في أشياء، ووافقوا أهل البدعة في أشياء؛ فإذ ذلك كذلك؛ هل حكم عليهم السلف؛ بالمنزلة بين المنزلتين؛ كما حال مشايخكم المرجئة - أو الجهلة - أم حكموا عليهم بالبدعة والضلال؛ غير ملتفتين لأصولهم، أو لموافقتهم، أو لقصدهم، أو لأي شيء آخر مما تهرف به المرجئة؛ فإما أنكم على ملة هي أهدى من ملتهم؛ أو مفتتحوا باب الضلالة؟! فليت شعري؛ أفي اتباعهم تخافون الضلالة؟ أم في غير سنتهم تلتمسون الهدى؟! ([2])
ت‌-          فإن كنتم أغلقتم باب التبديع؛ على أساس أنه ما من مبتدع؛ إلا وهو يوافق أهل السنة في أصل - أو أكثر - من أصولهم؛ فما بالكم بدعتم: فالحاً والحلبي والمأربي والمغراوي – لا أقول: ابن قطب وحسان والحويني - بل والحداد والحجي وفراج؟!! أليسوا يوافقون أهل السنة في أكثر أصولهم؟
ث‌-          على أي ملة أنتم؟! إن كنتم على ملة السلف؛ فقد بينا لكم طريقتهم؛ فانحرفتم عنها. وإن كنتم على ملة إمامكم المدخلي؛ فقد قال: ]من وقع في بدعة فعلى أقسام: القسم الأول: أهل البدع؛ كالروافض والخوارج والجهمية والقدرية والمعتزلة والصوفية القبورية والمرجئة، ومن يلحق بهم كالأخوان والتبليغ وأمثالهم؛ فهؤلاء لم يشترط السلف إقامة الحجة من أجل الحكم عليهم بالبدعة؛ فالرافضي يقال عنه: مبتدع، والخارجي يقال عنه: مبتدع، وهكذا، سواء أقيمت عليهم الحجة؛ أم لا. القسم الثاني: من هو من أهل السنة، ووقع في بدعة واضحة؛ كالقول بخلق القرآن أو القدر، أو رأي الخوارج، وغيرها؛ فهذا يبدع، وعليه عمل السلف. ومثال ذلك ما جاء عن ابن عمر رضي الله عنه؛ حين سئل عن القدرية؛ قال: (فإذا لقيت أولئك فأخبرهم أني بريء منهم وأنهم برآء مني)؛ قال شيخ الإسلام رحمه الله في درء تعارض العقل والنقل (1/254): "فطريقة السلف والأئمة؛ أنهم يراعون المعاني الصحيحة المعلومة بالشرع والعقل، ويرُاعون أيضاً الألفاظ الشرعية؛ فيعبرون بها ما وجدوا إلى ذلك سبيلاً، ومن تكلم بما فيه معنى باطل يخالف الكتاب والسنة ردوا عليه، ومن تكلم بلفظ مبتدع يحتمل حقاً وباطلاً؛ نسبوه إلى البدعة أيضاً، وقالوا : إنما قابل بدعة ببدعة، وردَّ باطلاً بباطل". أقول: في هذا النص: بيان أمور عظيمة ومهمة يسلكها السلف الصالح للحفاظ على دينهم الحق وحمايته من غوائل البدع والأخطاء؛ منها: 1- شدة حذرهم من البدع ومراعاتهم للألفاظ والمعاني الصحيحة المعلومة بالشرع والعقل؛ فلا يعبرون - قدر الإمكان - إلا بالألفاظ الشرعية، ولا يطلقونها إلا على المعاني الشرعية الصحيحة الثابتة بالشرع المحمدي. 2- أنهم حراس الدين وحماته، فمن تكلم بكلام فيه معنى باطل يخالف الكتاب والسنة ردوا عليه. ومن تكلم بلفظ مبتدع يحتمل حقاً وباطلاً نسبوه إلى البدعة، ولو كان يرد على أهل الباطل، وقالوا: إنما قابل بدعة ببدعة أخرى، ورد باطلاً بباطل، ولو كان هذا الراد من أفاضل أهل السنة والجماعة، ولا يقولون ولن يقولوا يحمل مجمله على مفصله؛ لأنا نعرف أنه من أهل السنة[.
والذين تدافعون عنهم؛ رغم كونهم }من أهل البدع أصالة؛ أو من أهل السنة، ووقعوا في بدعة واضحة{؛ إلا أننا سنتنزل معكم، ونقول: إن أقل أحوالهم؛ أنهم: 1- لم يراعوا الألفاظ والمعاني الشرعية الصحيحة. 2- تكلموا بكلام باطل يخالف الكتاب والسنة. وعلى كلا الاحتمالين: فهم مبتدعة عند السلف، وعند شيخكم! فليت شعري؛ إلى أين ستذهبون، وبمن ستحتجون؟! قاتلكم الله أنى تؤفكون.
وأخيراً:
ففي رسالتي: (قواعد في معرفة البدعة وضوابط التبديع) تأصيل وتفصيل؛ لمن أراد الاستزادة.
والحمد لله أولاً وآخراً، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.



[1] - رغم كونه خالف الكتاب والسنة؛ أما إذا خالف إمامهم الألباني، أو إمامهم المدخلي؛ فحينئذ يكون من أحط أهل البدع.
[2] - قال ربيع: "فهذا داود كان من كبار علماء الحديث، وله مؤلفات كثيرة في السنة، وإليه انتهت رياسة العلم في بغداد، ومع هذا كله؛ لما قال القرآن محدث (أي مخلوق) بدعه أهل السنة، وما حمل كبار أهل السنة مجمله على مفصله؛ لأنه كان سلفياً؛ كما يقوله غلاة المداهنين وغلاة التمييع والتضييع. وجاء داود إلى الإمام أحمد معتذراً ومنكراً أنه قال بهذه البدعة؛ فلم يصدقه، ولم يأذن له بالدخول عليه. فأين حمل المجمل على المفصل الذي اخترعه أهل الأهواء؛ ثم كفوا عنه، وحمل رايته أدعياء السلفية وحماة البدع وأهلها من غلاة التمييع؟ وهؤلاء أئمة السنة يؤلفون عشرات المجلدات في الجرح والتعديل، وهي مليئة بجرح أهل البدع والضعفاء والكذابين، ولا تجد أثراً لهذا المنهج البدعي، ولم يعارضهم لا أهل السنة ولا أهل البدع بهذا المنهج الباطل الذي اخترع في هذا العصر للدفاع عن أهل الضلال. فإذا كان هذا المنهج يمثل العدل؛ فإنه يلزم عليه بأن سلفنا الصالح من محدثين وفقهاء ومؤلفين في العقائد وغيرها كانوا أهل ظلم وغلو؛ حاشاهم ثم حاشاهم، وكبت الله خصومهم المخالفين لمنهجهم وأصولهم، وكافأهم بما يستحقون"اهـ
وقال: "ولقد كان الرجل يزل زلة واحدة في العقيدة؛ على عهد السلف؛ فيسقطه أئمة السلف والحديث؛ فهل هم هدامون مفسدون أعداء الدعوة السلفية؟".
فليت شعري؛ أين هم من قول إمامهم؛ هلا اتبعوه؟! أم تراه عندهم حدادياً غالياً؟!