السبت، 25 أكتوبر 2014

إثبات صفة الصدر والذراعين لله تعالى

إثبات صفة الصدر والذراعين لله تعالى
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، ومن والاه ؛؛؛ أما بعد:
فمن الناس من مثله كمثل الكلب "يلهث دائماً، ويدلق لسانه في كل حال؛ سواء ترك لشأنه؛ فلم يعرض له أحد بسوء، أو طارده أحد وأجهده؛ إنه كهذا يلهث دائماً؛ في سكونه واستقراره، أو في جريه وجهده.
والتشبيه للإنسان الضال بالكلب؛ تشبيه يصيب كبد الحقيقة منه ظاهراً وباطناً؛ فهو كلب في خسار سعيه، وضياع جهده؛ حيث يُرى في صورة الكلب؛ يلهث دائماً كأنه موكل بعمل مثمر، ولكنه يلهث ولا عمل، ويعمل ولا ثمرة لعمل".
ومثل هذا: الكف عنه واجب، وعدم الالتفات لنباحه حتم لازب.
شاتمني عبد بني مسمع ***** فصنت عنه النفس والعرضا
ولم أجبه لاحتقاري له ***** ومن يعض الكلب إن عضا
حيث لا فائدة ترجى من الرد عليه، وبيان إفكه وبهتانه، وجهله وهذيانه؛ بعد ما هان عليه دينه فتبرع للدفاع عن المدخلي وضلالاته، ورضي بأن يكون ذيلاً له، ونصيراً له في الباطل، وتفرغ للرد على من نصب نفسه للدفاع عن السنة وأهلها.
بيد أن بعض خاصتي؛ رأى أن سكوتي قد غره، وأن مثله لا بد أن يُقرع على أم رأسه؛ حتى يلزم حده، ويعرف قدره؛ مذكراً إياي بقول الشاعر:
قد ينبح الكلب ما لم يلق ليث شرى ***** حتى إِذا ما رأى ليثاً قضى رهبا
فأجبته إلى طلبته؛ لا سيما بعد ما عرض عليَّ بعضاً من جهالاته؛ فاستعنت بالله على "رد أباطيله، وتهجين أضاليله وأساطيله؛ على سبيل الاختصار والاقتصار، وتركت من كلامه ما لا طائل في الجواب عنه".
قال ذيل المدخلي:
"وأنا لولا أنَّ عماد فراج نشر كتاب عادل حمدان في سوهاج؛ ما كنت تكلمت هذا الكلام"اهـ
قلت:
إن كان الذي حملك على الرد؛ هو الغيرة على السنة كما تزعم؟!
1-            فأين غيرتك، والمدخلي يقول: "فإذا كان هناك أحد يقول في تارك جنس العمل: إنه ناقص الإيمان، أو مرتكب الكبيرة ناقص الإيمان؛ فإنه لا يصح أن يقال عنه: إنه قد وافق المرجئة".
2-            أين غيرتك، والمدخلي يقول: "وفي النهاية نقول: إنه قد تبيّن بالدراسة الجادة؛ أن دعوى إجماع الصحابة والتابعين على تكفير تارك الصلاة تهاوناً وكسلاً؛ لم تثبت، وأن تعريف الإيمان المنسوب إلى الشافعي رحمه الله؛ لم يثبت، وكيف يثبت، وهو يتعارض مع قول الله تعالى: }إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ{، ومع أحاديث الشفاعة، وأحاديث مكانة التوحيد وفضائله"اهـ
3-            أين غيرتك، والمدخلي يقول: "ومما ينبغي التفطن له؛ أن الذي يكفر بترك الصلاة من أهل السنة؛ لا يكفر بما عداها من أركان الإسلام كالزكاة والصوم والحج وما بعدها من الأعمال الصالحة، والذي لا يكفر إلا بالأركان الأربعة لا يكفر بما وراءها من الأعمال الصالحة وغيرها؛ لأنه إذا كان لا يكفر بثلاثة من أركان الإسلام؛ فلأن لا يكفر بغيرها من باب أولى، والذي لا يكفر إلا بترك الصلاة ومنع أداء الزكاة؛ لا يكفر من ترك الصوم والحج؛ فعدم تكفيره لما وراءها من الأعمال من باب أولى، وإذن: فأهل السنة مجمعون على عدم التكفير بما وراء الأركان الأربعة من الأعمال؛ فالذي يُكفِّر بما وراءها مخالف لإجماعهم، وسالك طريق الخوارج في التكفير بارتكاب الكبائر مطلقاً، وهذا يدين من يكفرون تارك جنس العمل، ومرادهم بذلك ترك العمل، وهو قول جديد ابتدعوه لحرب أهل السنة، والشغب عليهم"اهـ
4-            أين غيرتك، والمدخلي يقول: "من نقل هذا الإجماع المنسوب إلى الشافعي؛ غير الشافعي؟ فهاته، وإلا فهذه الدعوى من الأباطيل التي لا أصل لها"اهـ
هذا غيض من فيض، وقد جمعت - غير مستقص - أقواله الشنيعة، ووضعتها في مقالة بعنوان: ]طائفة من أقوال ربيع المدخلي[.
قال ذيل المدخلي:
"هذه الأشياء؛ ما الحاجة إلى أن تنقل وتروى في بلادنا؟! يقول: إثبات صفة الصدر لله؛ من أين أتيت بها؟ من حديث موضوع! هذا يخالف إجماع الأمة"اهـ
قلت:
1-            أنكر (ذيل المدخلي) أثر عبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما: (خلق الله عز وجل الملائكة من نور الذراعين والصدر)، وادعى أنه موضوع، وأن الإجماع منعقد على خلافه؛ مع أن الكلام في هذه الصفة؛ كالكلام في غيرها من الصفات؛ تمر كما جاءت من غير تحريف ولا تعطيل، ومن غير تكييف ولا تمثيل؛ "فنعوذ بالله من معرة الجهل والأوهام، ونستجير به من مزلة الأقدام".
قال أبو يعلى: "اعلم أن الكلام في هذا الخبر في فصلين: أحدهما: في إثبات الذراعين والصدر، والثاني: في خلق الملائكة من نوره؛ أما الفصل الأول: فإنه غير ممتنع حمل الخبر على ظاهره في إثبات الذراعين والصدر؛ إذ ليس في ذلك ما يحيل صفاته، ولا يخرجها عما تستحقه؛ لأنا لا نثبت ذراعين وصدرا ًهي جوارح وأبعاض؛ بل نثبت ذلك صفة؛ كما أثبتنا اليدين والوجه والعين والسمع والبصر، وإن لم نعقل معناه؛ فإن قيل: عبدالله بن عمرو لم يرفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وإنما هو موقوف عليه؛ فلا يلزم الأخذ به. قيل: إثبات الصفات لا يؤخذ إلا توقيفاً؛ لأنه لا مجال للعقل والقياس فيها، فإذا روي عن بعض الصحابة فيه قول؛ عُلم أنهم قالوه توقيفاً؛ فإن قيل: فقد قيل إن عبدالله بن عمرو أصاب وسقين يوم اليرموك، وكان فيها من كتب الأوائل؛ فكانوا يقولون له إذا حدثهم: حدثنا ما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا تحدثنا من وسقيك يوم اليرموك؛ فيحتمل أن يكون هذا القول من جملة تلك الكتب؛ فلا يجب قبوله. قيل: هذا غلط لوجوه: أحدهما: أنه لا يجوز أن يُظن به ذلك؛ لأن فيه إلباس في شرعنا، وهو أنه يروي لهم ما يظنوه شرعاً لنا، ويكون شرعاً لغيرنا، ويجب أن ننزه الصحابة عن ذلك، والثاني: إن شرعنا وشرع غيرنا سواء في الصفات؛ لأن صفاته لا تختلف باختلاف الشرائع. فإن قيل: يُحتمل أن يكون ذلك صدراً وذراعين لبعض خلقه؛ لأنه ذكر الذراعين والصدر مطلقاً، وقد وجد في النجوم ما يسمى ذراعين وصدراً، وتكون الفائدة في ذلك التنبيه على ما في قدرته من المخلوقين وإنشاء المخترعات؛ قيل: هذا غلط؛ لأنه ذكر الذراعين والصدر بالألف واللام، والألف واللام يدخلان للعهد أو للجنس، وليس يمكن حمله على الجنس؛ لأنه يقتضي كل ذراع وكل صدر، وليس هاهنا معهود من الخلق يشار إليه؛ فلم يبق إلا أن يحمل عليه سبحانه؛ لأنه أعرف المعارف؛ يبين صحة هذا: أنه لما أراد تخصيص بعض الملائكة بفضيلة أو حكم؛ عرفَّه باسمه؛ نحو قوله تعالى: {مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ}، وقوله تعالى: {نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأمِينُ}، ونحو ذلك، ولأن حمله على بعض خلقه يسقط فائدة التخصيص بالملائكة؛ فلما خص الملائكة بالذكر؛ عُلم أنه قصد تشريفهم، وإذا حُمل على بعض خلقه؛ لم يكن لهم مزية"اهـ (بتصرف من إبطال التأويلات 1/221-223)
2-            لم يقل أحد من أهل العلم: إن هذا الحديث موضوع؛ كما قال (ذيل المدخلي)؛ بل حتى الجهمية أقروا بصحته، ولم يطعنوا في سنده؛ إنما تكلموا في متنه؛ فمنهم من رده بدعوى أنه من الإسرائيليات، ومنهم من تأوله.
3-            لعل (ذيل المدخلي) على علم بأن الكلام في هذا الباب؛ لا بد أن يسبقه فيه إمام؛ فلبين لنا: من مِن أئمة السلف سبقه إلى ذلك؟!
4-            ليت (ذيل المدخلي) يوجه هذا النقد إلى عبدالله بن أحمد، أو إلى أحمد، أو إلى من رواه من أهل السنة، وقبله، وقال بما فيه؛ بل ليته يوجه هذا الطعن إلى عبدالله بن عمرو رضي الله عنهما الذي تجرأ وتجاسر، ونسب ما لا يليق؛ إلى الله عز وجل.
قال ابن قتيبة: "لا تستشعر أن القوم قارفوا، وتنـزهت، وثلموا أديانـهم، وتورعت"اهـ (عيون الأخبار 1/46)
5-            لم يطعن في متن هذا الأثر إلا الجهمية (البيهقي وابن فورك والألباني) بدعوى التنزيه - زعموا - ومن حذا حذوهم من المتهوكة والجهال (عمر الأشقر. وسعيد القحطاني والرياشي (محققا كتاب السنة لعبدالله بن أحمد)؛ لذا فـ (ذيل المدخلي) بين خيارين لا ثالث لهما: إما أن يقتفي أثر الأئمة الذين رووه في مصنفاتهم في مقام الاحتجاج والرد على الجهمية، أو يقتدي بمن ذكرت من الجهمية الضلال، والمتهوكة الجهال.
قال السجزي: "الأئمة الذين رووها غير منكرين لشيء منها؛ بل أوردوها في السنن، وبينوا أن اعتقادها سنة وحق؛ بل واجب وفرض؛ لا يخلو أمرهم من أن يكونوا مخطئين في فعلهم، أو مصيبين في رأيهم؛ فإن أصابوا؛ فاتباعهم على الصواب هدى، وإن أخطأوا - بزعم المخالف - وهم الأئمة المقبولون المرضيون بالاتفاق؛ فالمخالفون أقرب إلى الخطأ، وأبعد من الصواب منهم؛ فيجب أن لا يُصغى إليهم، ولا يُعول على تمويههم"اهـ (بتصرف من الرد على من أنكر الحرف والصوت ص 291-292)
6-            كما أن صفات الله عز وجل؛ لا تثبت إلا بدليل سمعي - قال الآجري في الشريعة (ص 291): "أهل الحق يصفون الله عز وجل بما وصف به نفسه عز وجل, وبما وصفه به رسوله صلى الله عليه وسلم, وبما وصفه به الصحابة رضي الله عنهم, وهذا مذهب العلماء ممن اتبع، ولم يبتدع" - كذلك لا تُنفى إلا بدليل شرعي؛ فأين الدليل يا (ذيل المدخلي) من كتاب الله، أو من سنة رسوله صلى الله عليه وسلم، أو من أقاويل الصحابة رضوان الله عليهم؛ على نفي هذه الصفة؟
7-            الصحابة رضوان الله عليهم "فوقنا في كل علم واجتهاد وورع وعقل وأمر استدرك به علم واستنبط به، وآراؤهم لنا أحمد وأولى بنا من رأينا عند أنفسنا"؛ فمن الممتنع أن يكون فيهم من يتكلم بما هو كفر، أو ضلال؛ بل كل مسلم يعتقد: أنهم أئمة العلم والهدي، وأنهم أعلم بما يجوز وما لا يجوز على الله عز وجل، وأنهم لا يتكلمون في مسائل الاعتقاد إلا بدليل؛ فهم أورع وأخشى لله تعالى من (ذيل المدخلي) وطائفته؛ من أن يخوضوا في ذات الله تعالى بغير علم، أو أن يصفوه بما لا يثبت، أو بما لا يليق به سبحانه وتعالى.
قال ابن تيمية: "من المحال أن يكون خير أمته وأفضل قرونها؛ قصروا في هذا الباب؛ زائدين فيه، أو ناقصين عنه؛ ثم من المحال أن تكون القرون الفاضلة - القرن الذي بعث فيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم - كانوا غير عالمين وغير قائلين في هذا الباب بالحق المبين؛ لأن ضد ذلك: إما عدم العلم والقول، وإما اعتقاد نقيض الحق وقول خلاف الصدق، وكلاهما ممتنع؛ أما الأول: فلأن من في قلبه أدنى حياة وطلب للعلم، أو نهمة في العبادة؛ يكون البحث عن هذا الباب والسؤال عنه ومعرفة الحق فيه أكبر مقاصده وأعظم مطالبه، وليست النفوس الصحيحة إلى شيء أشوق منها إلى معرفة هذا الأمر؛ فكيف يتصور مع قيام هذا المقتضي - الذي هو من أقوى المقتضيات - أن يتخلف عنه مقتضاه في أولئك السادة في مجموع عصورهم؛ هذا لا يكاد يقع في أبلد الخلق، وأشدهم إعراضاً عن الله، وأعظمهم إكباباً على طلب الدنيا، والغفلة عن ذكر الله، فكيف يقع من أولئك؟! وإما كونهم كانوا معتقدين فيه غير الحق أو قائليه، فهذا لا يعتقده مسلم، ولا عاقل عرف حال القوم. ولا يجوز أيضاً أن يكون الخالفون أعلم من السالفين؛ كما يقوله بعض الأغبياء ممن لم يقدر قدر السلف؛ بل ولا عرف الله ورسوله والمؤمنين به حقيقة المعرفة المأمور بها؛ من أن طريقة السلف أسلم، وطريقة الخلف أعلم وأحكم"اهـ (بتصرف من الحموية ص 182-187)
8-            ادعى (ذيل المدخلي) الإجماع على نفي هذه الصفة؛ فقال: "هذا يخالف إجماع الأمة"! فجمع مع جهله المركب جهالات، وأضاف إلى كذبه الصريح كذبات، وإلا فأين هذا الإجماع، وفي أي كتاب ذُكر، ومن مِن الأئمة نقله؟
بل إن قال قائل: إن الإجماع منعقد على خلاف قوله؛ لما أبعد؛ فإنه لا يُعرف عن صحابي؛ حرف واحد يخالف ذلك.
9-            قال سمير المالكي في ]بيان الوهم والإيهام الواقعين في تعليقات محمد بن سعيد القحطاني على كتاب (السنة) وربيع بن هادي المدخلي على كتاب (التوسل والوسيلة)[: "قال الإمام عبدالله: حدثني أبي نا أبو أسامة نا هشام بن عروة عن أبيه عن عبدالله بن عمرو رضي الله عنه؛ قال: (خلق الله عز وجل الملائكة من نور الذراعين والصدر). قال القحطاني: ((فيه تدليس هشام عن أبيه))؛ ثم قال: ((وهذا الأثر منكر؛ لأن النصوص الصريحة بخلافه؛ ثم هو دخول في الكيفية، والكلام فيها مخالف لصريح مذهب السلف؛ بل هذا الكلام أقرب إلى الفكر البرهمي منه إلى غيره؛ كما هو معلوم في ديانة البراهمة)). قال سمير: أولاً: الإسناد صحيح إلى عبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما، وتدليس هشام بن عروة مقبول؛ لأنه من الطبقة الأولى؛ كما ذكر العلائي في جامع التحصيل (ص 113)، وابن حجر في تعريف أهل التقديس (ص 46) ثانياً: متى يترك القحطاني؛ عباراته الجارحة وألفاظه النابية في حق السلف؟ ((دخول في الكيفية))! و((فكر برهمي))! و((ديانة البراهمة))! ليت شعري ما الذي تركه من مقالات الجهمية الغلاة في حق السلف ومذهب السلف؛ بعد هذا؟ ثم إلى من يتوجه هذا النقد؟ إلى الإمام عبدالله؛ أم إلى الإمام أحمد؛ أم إلى باقي رجال الإسناد، ومنهم الراوي الصحابي الجليل عبدالله بن عمرو رضي الله عنهما؟! فإن قيل: إن روايتهم له لا تدل على قبوله واعتقاده. فالجواب: هذا الاحتمال مع وروده، إلا أنه يبعد في مثل هذه المصنفات المفردة في تقرير عقيدة السلف، والرد على مخالفيهم من المبتدعة، وعلى رأسهم الجهمية نفاة الصفات. والأقرب منه أنهم رووه على جهة القبول له، والاحتجاج به، وقد صح الإسناد إلى قائله؛ كما رأيت. وهذا الأثر رواه أبو الشيخ في العظمة (2/733) وابن منده في الرد على الجهمية (ص 92)، وقال الهيثمي في المجمع (8/134): رواه البزار ورجاله رجال الصحيح. ورواه البيهقي في الأسماء والصفات (2/77) من طريق ابن جريج عن رجل عن عروة بن الزبير؛ أنه سأل عبدالله بن عمرو بن العاص؛ أي الخلق أعظم؟ قال: (الملائكة)؛ قال: من ماذا خلقت؟ قال: (من نور الذراعين والصدر ..) إلخ. قال البيهقي: ((هذا موقوف على عبدالله بن عمرو؛ راويه رجل غير مسمى؛ فهو منقطع، وقد بلغني أن ابن عيينة؛ رواه عن هشام بن عروة؛ عن أبيه؛ عن عبدالله بن عمرو؛ فإن صح ذلك؛ فعبدالله بن عمرو قد كان ينظر في كتب الأوائل؛ فما لا يرفعه إلى النبي عليه السلام يحتمل أن يكون مما رآه فيما وقع بيده من تلك الكتب؛ ثم لا ينكر أن يكون الصدر والذراعان من أسماء بعض مخلوقاته، وقد وجد في النجوم ما سُمي ذراعين. وفي الحديث الثابت عن عروة عن عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (خلقت الملائكة من نور)؛ هكذا مطلقاً)). قال سمير: وإسناد رواية البيهقي؛ لو صح؛ فإن في المتن فائدة، وهي أن عبدالله بن عمرو رضي الله عنهما؛ ذكر هذا الكلام في معرض الجواب لمن سأله، وهو عروة بن الزبير، وهذا يدل على اعتقاده وقبوله لذلك؛ كما يظهر. وأما تعليل البيهقي للأثر من حيث الإسناد؛ فهو يصدق على روايته، ولا يصدق على الإسناد الآخر الصحيح. وإني لم أسق كلام البيهقي؛ لتقريره؛ فإني على علم بمذهبه، وإنما لكي يتبين ما في أسلوب القحطاني من إساءة في حق السلف؛ ترفع عنها بعض المنتسبين إلى المذهب الأشعري الكلابي؛ فالبيهقي لم يجزم ببطلان الأثر؛ مع ضعف إسناده عنده، ولم يجزم بأنه من حديث بني إسرائيل، وإنما أورده على الاحتمال؛ فقال: ((يحتمل أن يكون مما رآه فيما وقع بيده من تلك الكتب))؛ ثم اشتغل بتأويله كعادته؛ تبعاً لمذهبه في ذلك"اهـ (بتصرف من ص 60-61)
10-      وقال أبو عبدالله عادل آل حمدان سدده الله؛ الذي شنع عليه (ذيل المدخلي) لأنه أثبت هذه الصفة اقتداء بسلفه الذين لم يدعوه في لبس؛ فمن ثم قلدهم واستراح:
"عن عبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما؛ قال: (خلق الله عز وجل الملائكة من نور الذراعين والصدر). رواه عبدالله بن الإمام أحمد عن أبيه في كتابه السنة (1062) و(1173)، ومن طريقه ابن منده في الرد على الجهمية (78)، والقاضي أبو يعلى في إبطال التأويلات (214)، وأبو الشيخ في العظمة (315)، وهو بهذا اللفظ صحيح الإسناد؛ رواه بعض أهل السنة محتجين به في كتب (السنة)، و(الرد على الجهمية)، ولم يتعقبه أحد منهم بشيء من الطعن، والرد، ومن ذلك: قول ابن المحب رحمه الله في الصفات (ق/230/ب) (باب ما ذكر في الساعد، والذراع، والباع، والصدر). وقد رد بعضهم هذا الأثر؛ بأن الصحابي عبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما؛ كان يحدث عن أهل الكتاب، ولعل هذا منها؛ فلا يجوز اعتقاده، ولا القول به.
فيقال:
1-            القول بأن عبدالله حدث بهذا الأثر عن أهل الكتاب قد يصح، وقد لا يصح .
2-            فإن لم يتلقه عن أهل الكتاب فله حكم الرفع؛ لأنه لا مجال فيه للرأي.
قال القاضي أبو يعلى في إبطال التأويلات (1/222): (فإن قيل: عبدالله بن عمرو لم يرفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وإنما هو موقوف عليه؛ فلا يلزم الأخذ به؛ قيل: إثبات الصفات لا يؤخذ إلا توقيفاً؛ لأنه لا مجال للعقل والقياس فيه؛ فإذا روي عن بعض الصحابة فيه قول؛ عُلم أنهم قالوه توقيفاً).
3-            وإن كان مما تلقاه عبدالله بن عمرو؛ من كتب أهل الكتاب؛ فيقال:
أ‌-                عبدالله من الصحابة رضي الله عنهم، ولا يخفى مكانتهم في العلم والدين؛ فكيف يُظن به أنه ينقل عن بني إسرائيل ما لا تجوز روايته في ذات الله تعالى، ويسكت عن بيان بطلانه! هذا لا يفعله من هو أدنى منزلة في العلم من هذا الصحابي الجليل الذي أخذ العلم عن النبي صلى الله عليه وسلم، وعن أصحابه رضي الله عنهم؛ فيجب إحسان الظن به.
قال القاضي أبو يعلى في إبطال التأويلات (1/222) وهو يتكلم عن هذه الشبهة: (لا يجوز أن يظن به ذلك؛ لأن فيه إلباساً في شرعنا، وهو أنه يروي لهم ما يظنوه شرعاً لغيرنا، ويكون شرعاً لغيرنا، ويجب أن ننزه الصحابة عن ذلك).
وانظر كذلك إلى دفاع الدارمي رحمه الله في كتابه النقض على بشر المريسي ص (366) عن عبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما؛ فيمن اتهمه بأنه يروي من كتب بني إسرائيل ولا يميز بينها، وبين أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم.
وها نحن نرى الأئمة يحدثون به في مصنفاتهم في السنة والاعتقاد من غير نكير، وانظر أثراً قاله كعب الأحبار؛ رواه عنه أئمة الإسلام، ولم ينكروه؛ فقال ابن القيم رحمه الله: (وهب أن المعطل يكذب كعباً، ويرميه بالتجسيم؛ فكيف حدث به عنه هؤلاء الأعلام مثبتين له غير منكرين؟!) مختصر الصواعق (3/1075)
ب‌-          قد أذن النبي صلى الله عليه وسلم بالتحديث عن أهل الكتاب؛ فقال: (حدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج). رواه البخاري (3461)؛ فعبدالله رضي الله عنه؛ كان له علم بأخبار بني إسرائيل؛ فكان رضي الله عنه يحدث عنهم بما لا يخالف شرعنا.
ت‌-          شرعنا وشرع من قبلنا في الصفات سواء؛ لأن صفات الله لا تختلف باختلاف الشرائع؛ فما ثبت في التوراة والإنجيل من صفات الله تعالى؛ فهو بلا شك ثابت عندنا؛ فإن هذا من باب الإخبار عن الله تعالى، ولا يتبدل ولا يتغير من شرع إلى شرع؛ انظر إبطال التأويلات (1/222).
4-            أنه ثبت في شرعنا ما يصدق هذا الأثر.
أ‌-                فقد روي الطيالسي (1303)، والحميدي (883)، وأحمد (3/473)، و(4/136)، وابن منده في الرد على الجهمية (55)، والحاكم (1/24-25) و(4/181) من طريقين: عن أبي الأحوص، عن أبيه؛ قال: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وذكر الحديث إلى أن قال: (وساعد الله أشد من ساعدك ..)؛ قال الحاكم: صحيح الإسناد، ووافقه الذهبي. وقال ابن المحب في الصفات (ق/230/ب): هذا حديث صحيح الإسناد .
ب‌-          وروي الترمذي (2577) وعبدالله في السنة (1171)، وابن منده في الرد على الجهمية (79)، والحاكم (4/595)؛ عن أبي هريرة رضي الله عنه؛ عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن غلظ جلد الكافر اثنان وأربعون ذراعاً بذراع الجبار، وإن ضرسه مثل أحد). قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح غريب من حديث الأعمش. وقال الحاكم: حسن صحيح، ووافقه الذهبي.
5-            ثبت عند مسلم (2996) عن عائشة رضي الله عنها؛ عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ قال: (خلقت الملائكة من نور ..) الحديث. وهذا الحديث يثبت ما جاء في أثر عبدالله رضي الله عنه؛ من أن الملائكة خلقت من نور. وانظر: حاشية كتاب نقض الدارمي على المريسي؛ (ص 380) للسماري"اهـ


يتبع ...

0 التعليقات:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.