الثلاثاء، 21 أكتوبر 2014

أثر عبدالله بن شقيق

أثر عبدالله بن شقيق

3

منذ أن أشرب قلب المدخلي بالإرجاء، وتمكنت هذه العقيدة الخبيثة منه، وهو لا يفتأ يبث إرجاءه ليل نهار؛ فأظهر في أول الأمر أن العمل الظاهر كمال الإيمان وفرعه، ونزع إلى أقوال ثلاثة من أهل العلم ظن أن فيها بغيته، وهم ابن نصر وابن منده وابن تيمية، ولجهله لا يدري أنهم يكفرون تارك الصلاة؛ وهذا لا يستقيم مع ما فهمه من قولهم - وإن كان في نفسه بدعة -: الإيمان أصل، والعمل فرع.  فالرجل لا يعرف أصول من ينقل عنهم، ويحتج بهم.
ثم إذا به يذيع أن ترك العمل الظاهر مسألة خلافية بين السلف؛ فلم يلبث حتى ارتقى في الإرجاء درجة - بل درجات - فقرر أن من يكفر تارك أعمال الجوارح: قطبي حدادي تكفيري. وهكذا أظهر حماسة شديدة في الدعوة إلى نحلته الجديدة.
وأثر عبدالله بن شقيق لا مطعن فيه؛ لا في سنده، ولا في متنه، وهو تابعي قديم روى عن عمر وعاش إلى ما بعد المائة، وقد احتج بهذا الإجماع؛ الأئمة الأعلام كابراً عن كابر، وجيلاً بعد جيل؛ من غير خلف بينهم؛ فلم نسمع عن واحد منهم؛ أنه تكلم فيه، أو طعن في أحد رواته؛ بل الجميع متفقون على قبوله، والاحتجاج به.
وحاكي الإجماع؛ لا يلزم أن يكون مدركاً لجميع من نقل عنهم الإجماع، وإلا لرددنا إجماعات كثيرة نقلها أهل العلم، مع أن بينهم وبين من نقلوا عنهم مفاوز قد تصل إلى عدة قرون؛ بخلاف العقيلي الذي عاصرهم، ولقي عدداً كبيراً منهم.
فهذا البيهقي قد نقل الإجماع على تحريم الشطرنج، وابن عبدالبر على حد الخمر، وابن قدامة على مسح الجوارب، وكلهم يقول: ولا نعلم لهم مخالفاً - أي من الصحابة - ونحن لم نظفر برجل من الصحابة خالف ما نقله عنهم ابن شقيق حتى نرد قوله، ونقول: خالف من الصحابة فلان، وفلان، بل وجدنا كلام جابر رضي الله عنه يؤيده ويعضده، فكيف يترك كل هذا، ويسمع لهذا المجرم الأفاك؟ قال أحمد: "من كذب أهل الصدق؛ فهو الكاذب"اهـ (تاريخ بغداد 15/652)
ومن جهله الفاضح والمضحك معاً، قوله: "فالزهري وهو من أئمة التابعين لا يُكفر بترك الصلاة إلا الجاحد لها، ومن لم يجحد وجوبها؛ فهو عنده فاسق، ولا يبعد أن له نظراء من التابعين، وما أعتقد أن تلاميذه يخالفونه".
فهذا مبلغ علمه!
وهذه أدلته، (لا يبعد)، و(أعتقد)!
والاحتجاج بالخلاف الذي حدث بعدهم - إن صح - لا يقول به إلا جاهل، قال أحمد: "الحجة على من زعم أنه إذا كان أمراً مجمعاً عليه؛ ثم افترقوا؛ أنا نقف على ما أجمعوا عليه"اهـ المسودة لآل تيمية (ص 315)
فالرجل نفخ فيه أتباعه، فلم يعد يرى إلا نفسه، فكل ما يقوله صدق، وكل ما يقرره حق، وهذا من خذلان الله له، وقد قلت فيما مضى: إنه ممن طال عمره، وساء عمله، فلعنة الله عليه وعلى أتباعه؛ فهم زنادقة لا يلتبس حالهم إلا على من أعمى الله بصيرته.
قال عبدة بن أبي لبابة: "إذا رأيت الرجل لجوجاً ممارياً معجباً برأيه؛ فقد تمت خسارته"اهـ (تاريخ دمشق 39/286)
فكيف إذا كان مع هذا، مبتدعاً ضالاً يطعن في ثوابت الإسلام وأركانه العظام؟
أما ما يقوله هؤلاء الضلال وغيرهم في حقي، فلو كنت ألتفت لهذا، ما كنت كتبت شيئاً.
قال أبو مسهر: "ما مات الأوزاعي حتى جلس وحده؛ ما يجلس إليه أحد، وحتى ملئت أذنه شتماً، وهو يسمع"اهـ (تاريخ دمشق 37/152)
وقال ابن المبارك: "إذا عرفت نفسك؛ لم يضرك ما قيل فيك"اهـ (تاريخ دمشق 34/305)
وقال عمر بن عبدالعزيز لخالد بن صفوان عظني وأوجز: فقال خالد: "يا أمير المؤمنين إن أقواماً غرهم ستر الله عز وجل، وفتنهم حسن الثناء؛ فلا يغلبن جهل غيرك بك؛ علمك بنفسك؛ أعاذنا الله وإياك أن نكون بالستر مغرورين، وبثناء الناس مسرورين، وعما افترض الله متخلفين ومقصرين، وإلى الأهواء مائلين؛ أعاذنا الله وإياك من اتباع الهوى"اهـ (تاريخ دمشق 18/69)
فيا أخي لا تحتفل بهذا، فقد ذهب الذين يعاش في أكنافهم، وبقينا في خلف كجلد الأجرب.

 

تحميل الموضوع أثر عبدالله بن شقيق

0 التعليقات:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.