الصلاة خلف مستور الحال
قول سفيان الثوري لشعيب بن حرب - شرح أصول الاعتقاد (1/170) -: "لا تصل إلا خلف من تثق به وتعلم أنه من أهل السنة والجماعة".
وقول أحمد - طبقات الحنابلة (1/59) - للمروذي: "لا تصل إلا خلف من تعرف".
ليس فيه أن الصلاة خلف مستور الحال لا تصح، أو أنها غير جائزة؛ بل غاية ما يفهم من كلامهما أن الأولى والأفضل أن يصلي الإنسان خلف رجل يعرف أنه من أهل السنة. وهذا لا ينازع فيه أحد.
إنما الكلام عن زمان كزماننا انتشرت فيه البدع والأهواء وطمت، للدرجة التي يندر معها وجود إمام على السنة، فماذا يفعل السلفيون الغرباء والحال كذلك؟
هل يتركون صلاة الجماعة بحجة عدم وجود إمام معروف بعقيدته الصحيحة؟
لا شك أن القائل بهذا ليس له سلف، بل هو من تلبيس الشيطان.
فالصواب إذاً أن يقال: الأصل ألا يصلى إلا خلف السنة، أما أهل البدع فلا يصلى خلفهم، ولا كرامة. فإن لم يتسن وجود إمام سني، ووجد مستور الحال الذي لا يعرف ببدعة، ولا فجور، فهذا يصلى خلفه، فإن لم يوجد إلا صاحب بدعة، صلى خلفه أيضاً، ولا تترك صلاة الجماعة.
قال الحكم بن عطية: "سألت الحسن، فقلت: رجل من الخوارج يؤمنا، أنصلي خلفه? قال: نعم، قد أم الناس من هو شر منه"اهـ (أصول السنة لابن أبي زمنين 211)
وقال ابن حزم: "ذكرت - وفقنا الله وإياك لعلم يقرب منه وعمل يرضيه - أنك رأيت الرجل يصلي خلف الرجل الإمام أياماً كثيرة لا يدري مذهبه، فاعلم - عافانا الله وإياك - أن البحث عن مثل هذا، أحدثه الخوارج، فهي التي كشفت الناس مذاهبهم، وامتحنتهم في ذلك، وسلك سبيلهم المأمون والمعتصم والواثق، مع ابن أبي داود وبشر المريسي ومن هنالك؛ وما امتنع قط أحد من الصحابة رضي الله عنهم، ولا من خيار التابعين، من الصلاة خلف كل إمام صلى بهم؛ حتى خلف الحجاج، وحبيش بن دلجة، ونجدة الحروري، والمختار، وكل متهم بالكفر. وقيل لابن عمر في ذلك، فقال: إذا قالوا: حي على الصلاة. أجبناهم، وإذا قالوا: حي على سفك الدماء. تركناهم. وقال عثمان رضي الله عنه عن الصلاة: من أحسن ما عمل فإذا أحسنوا فأحسن معهم، وإذا أساءوا فاجتنب إساءتهم"اهـ (رسائل ابن حزم 3/207-208)
وقال ابن تيمية: "لم يقل أحد من الأئمة: إنه لا تجوز الصلاة إلا خلف من علم باطن أمره"اهـ (مجموع الفتاوى 3/281)
وقال: "الصلاة خلف المستور جائزة باتفاق علماء المسلمين، ومن قال: إن الصلاة محرمة أو باطلة خلف من لا يعرف حاله. فقد خالف إجماع أهل السنة والجماعة"اهـ (مجموع الفتاوى 3/282)
وقال: "من قال: لا أصلي جمعة ولا جماعة إلا خلف من أعرف عقيدته في الباطن، فهذا مبتدع مخالف للصحابة والتابعين"اهـ (مجموع الفتاوى 4/542)
وقال: "ليس من شرط الائتمام أن يعلم المأموم اعتقاد إمامه، ولا أن يمتحنه فيقول: ماذا تعتقد؟ بل يصلي خلف مستور الحال"اهـ (مجموع الفتاوى 23/351)
منشورة في:
0 التعليقات:
إرسال تعليق
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.