السبت، 25 أكتوبر 2014

الخروج على الحاكم الجائر

الخروج على الحاكم الجائر

السؤال:
قولكم: الخروج على الحاكم الجائر مرتبط بالمصلحة، والمفسدة.
الجواب:
الكافر، وليس الجائر؛ أما الذي يحكم بالقوانين الوضعية؛ فهو كافر، والخروج عليه مع القدرة؛ واجب؛ لا يشك في ذلك؛ من عرف دين الإسلام، وعرف حقيقة أمر هؤلاء الحكام، وما هم عليه.
قال ابن باز - الذي تحتجون به -: "الذي يظهر من أحوالهم عند الدراسة والتأمل؛ يتبين أنهم راضون بها، وأنهم مطمئنون إليها، وأنهم يرونها أولى من تحكيم الشريعة، وأنسب للناس وأصلح لهم، أو أرفق بهم، هذا هو ظاهر حالهم، وهذا هو المتبادر من أحوالهم؛ لأنهم يحكمون بغير الشريعة، وهم مطمئنون ليس عندهم في ذلك تألم ولا تبرم لهذا الشيء، ولا تصريحاتهم بأنهم خاطئون وأنهم ظالمون، وسيعودون إلى حكم الشريعة، فالذي يظهر من حالهم هو أنهم راضون بحكم القوانين الوضعية، وأنهم غير راضين بحكم الشريعة، هذا ظاهر أحوالهم، والله أعلم بما في قلوبهم".
فالآثار السلفية إنما جاءت في الحاكم الجائر - لا الكافر - كحكام بني أمية، وبني العباس؛ الذين كانوا ملتزمين بالشريعة، ويحكمون بها، ويتحاكمون إليها؛ لكن حصل منهم جور، وظلم، وفسق؛ فهؤلاء وأمثالهم من حكام المسلمين؛ استقر الإجماع على حرمة الخروج عليهم، وإن حصل منهم ما حصل؛ ما لم يصدر عنهم الكفر البواح. ولا يوجد سلفي ينازع في هذا، والحمد لله.
أما الذي يترك الحكم بالشريعة، ويحكم بالقانون؛ فهو كافر.
لذلك؛ كان الألباني - وهو إمام عندكم - يقول: "كثير من حكام المسلمين يستحقون الخروج عليهم؛ لأنهم لا يحكمون بما أنزل الله، وهم مسلمون جغرافياً فقط، ولكن لا نخرج لغلبة المفسدة"اهـ (من شريط كيفية التعامل مع الواقع)
وتأمل ما ذكره ابن تيمية بهذا الصدد:
حيث قال: "فإذا تقررت هذه القاعدة - أي قتال الطائفة الممتنعة عن الالتزام بالشريعة - فهؤلاء القوم المسئول عنهم - أي التتر - عسكرهم مشتمل على قوم كفار من النصارى والمشركين وعلى قوم منتسبين إلى الإسلام، وهم جمهور العسكر؛ ينطقون بالشهادتين إذا طلبت منهم، ويعظمون الرسول، وليس فيهم من يصلي إلا قليلاً جداً، وصوم رمضان أكثر فيهم من الصلاة، والمسلم عندهم أعظم من غيره، وللصالحين من المسلمين عندهم قدر، وعندهم من الإسلام بعضه، وهم متفاوتون فيه؛ لكن الذي عليه عامتهم، والذي يقاتلون عليه؛ متضمن لترك كثير من شرائع الإسلام؛ أو أكثرها؛ فإنهم أولاً يوجبون الإسلام، ولا يقاتلون من تركه؛ بل من قاتل على دولة المغول عظموه وتركوه، وإن كان كافراً عدواً لله ورسوله، وكل من خرج عن دولة المغول أو عليها؛ استحلوا قتاله، وإن كان من خيار المسلمين؛ فلا يجاهدون الكفار، ولا يلزمون أهل الكتاب بالجزية والصغار، ولا ينهون أحداً من عسكرهم أن يعبد ما شاء من شمس أو قمر أو غير ذلك؛ بل الظاهر من سيرتهم أن المسلم عندهم بمنزلة العدل أو الرجل الصالح أو المتطوع في المسلمين، والكافر عندهم بمنزلة الفاسق في المسلمين أو بمنزلة تارك التطوع. وكذلك أيضاً عامتهم لا يحرمون دماء المسلمين وأموالهم؛ إلا أن ينهاهم عنها سلطانهم؛ أي لا يلتزمون تركها، وإذا نهاهم عنها أو عن غيرها أطاعوه لكونه سلطاناً لا بمجرد الدين. وعامتهم لا يلتزمون أداء الواجبات؛ لا من الصلاة ولا من الزكاة ولا من الحج ولا غير ذلك. ولا يلتزمون الحكم بينهم بحكم الله؛ بل يحكمون بأوضاع لهم توافق الإسلام تارة وتخالفه أخرى. وإنما كان الملتزم لشرائع الإسلام الشيزبرون، وهو الذي أظهر من شرائع الإسلام ما استفاض عند الناس. وأما هؤلاء فدخلوا فيه وما التزموا شرائعه. وقتال هذا الضرب واجب بإجماع المسلمين وما يشك في ذلك من عرف دين الإسلام، وعرف حقيقة أمرهم؛ فإن هذا السلم الذي هم عليه ودين الإسلام لا يجتمعان أبداً. وإذا كان الأكراد والأعراب وغيرهم من أهل البوادي الذين لا يلتزمون شريعة الإسلام يجب قتالهم وإن لم يتعد ضررهم إلى أهل الأمصار؛ فكيف بهؤلاء. نعم يجب أن يسلك في قتاله المسلك الشرعي من دعائهم إلى التزام شرائع الإسلام إن لم تكن الدعوة إلى الشرائع قد بلغتهم؛ كما كان الكافر الحربي يدعى أولاً إلى الشهادتين إن لم تكن الدعوة قد بلغته. فإن اتفق من يقاتلهم على الوجه الكامل فهو الغاية في رضوان الله وإعزاز كلمته وإقامة دينه وطاعة رسوله، وإن كان فيهم من فيه فجور وفساد نية بأن يكون يقاتل على الرياسة أو يتعدى عليهم في بعض الأمور وكانت مفسدة ترك قتالهم أعظم على الدين من مفسدة قتالهم على هذا الوجه؛ كان الواجب أيضاً قتالهم دفعاً لأعظم المفسدتين بالتزام أدناهما؛ فإن هذا من أصول الإسلام التي ينبغي مراعاتها. ولهذا كان من أصول أهل السنة والجماعة الغزو مع كل بر وفاجر؛ فإن الله يؤيد هذا الدين بالرجل الفاجر وبأقوام لا خلاق لهم؛ كما أخبر بذلك النبي صلى الله عليه وسلم لأنه إذا لم يتفق الغزو إلا مع الأمراء الفجار، أو مع عسكر كثير الفجور؛ فإنه لا بد من أحد أمرين: إما ترك الغزو معهم؛ فيلزم من ذلك استيلاء الآخرين الذين هم أعظم ضرراً في الدين والدنيا، وإما الغزو مع الأمير الفاجر؛ فيحصل بذلك دفع الأفجرين، وإقامة أكثر شرائع الإسلام، وإن لم يمكن إقامة جميعها؛ فهذا هو الواجب في هذه الصورة وكل ما أشبهها؛ بل كثير من الغزو الحاصل بعد الخلفاء الراشدين لم يقع إلا على هذا الوجه. وثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم (الخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة: الأجر والمغنم)؛ فهذا الحديث الصحيح يدل على معنى ما رواه أبو داود في سننه من قوله صلى الله عليه وسلم: (الغزو ماض منذ بعثني الله إلى أن يقاتل آخر أمتي الدجال لا يبطله جور جائر ولا عدل عادل)، وما استفاض عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: (لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خالفهم إلى يوم القيامة)؛ إلى غير ذلك من النصوص التي اتفق أهل السنة والجماعة من جميع الطوائف على العمل بها في جهاد من يستحق الجهاد مع الأمراء أبرارهم وفجارهم.. إلى أن قال: علم أن الطريقة الوسطى التي هي دين الإسلام المحض جهاد من يستحق الجهاد؛ كهؤلاء القوم المسئول عنهم مع كل أمير وطائفة؛ هي أولى بالإسلام منهم إذا لم يمكن جهادهم إلا كذلك، واجتناب إعانة الطائفة التي يغزو معها على شيء من معاصي الله؛ بل يطيعهم في طاعة الله ولا يطيعهم في معصية الله إذ لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق. وهذه طريقة خيار هذه الأمة قديماً وحديثاً. وهي واجبة على كل مكلف. وهي متوسطة بين طريق الحرورية وأمثالهم ممن يسلك مسلك الورع الفاسد الناشئ عن قلة العلم وبين طريقة المرجئة وأمثالهم ممن يسلك مسلك طاعة الأمراء مطلقاً، وإن لم يكونوا أبراراً"اهـ (مجموع الفتاوى 28/504-508)
فتلخص من كلامه:
1-            أن هؤلاء التتر؛ كانوا لا يلتزمون حكم الله فيما بينهم؛ فحسب. أما الحكم بين المسلمين فقد كان جارياً على مقتضى الشرع.
2-            أن حكام اليوم فاقوا التتر من حيث كونهم فرضوا الحكم بالقوانين على شعوبهم، وهو ما لم يفعله التتر.
3-            أن قتال هذا الضرب واجب بإجماع المسلمين.
4-            أنه فرق بين الحاكم الذي لا يلتزم بأحكام الشريعة، وإن أظهر بعض شعائرها؛ فهذا (كافر)، وبين الحاكم الذي يلتزم بذلك؛ لكن فيه ظلم، وفجور، وفساد نية؛ فهذا (جائر).
5-            أن هذه الطريقة هي طريقة الإسلام المحض، وهي الطريقة المتوسطة بين طريق الحرورية، وأمثالهم ممن يسلك مسلك الورع الفاسد الناشئ عن قلة العلم، وبين طريقة المرجئة، وأمثالهم ممن يسلك مسلك طاعة الأمراء مطلقاً.
فمن ثم لا يُقال: الآثار السلفية جاءت بكذا وكذا؛ فإن هذا تنزيل لها في غير مواضعها؛ كما قد بينا.
ولا يُتفانى في الدفاع عن الطواغيت؛ فتُقر تولية الكافر.
وفي السكوت سعة.
والصبر حتى يستريح بر، ويستراح من فاجر.
وعدم الرضى بما يحدث من هرج ومرج؛ شيء.
والتهوين من صنيع هؤلاء القوم، وتسويغ مخالفاتهم؛ شيء آخر.

والحمد لله رب العالمين.

0 التعليقات:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.