المظاهرات
ليست من الإسلام
بسم
الله الرحمن الرحيم
الحمد
لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين نبينا محمد، وعلى
آله وصحبه، ومن سار على نهجهم إلى يوم الدين ؛؛؛ أما بعد:
قال
تعالى: "ثُمَّ
جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ
أَهْوَاءَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ".
وقال
تعالى: "وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ
وَمَن فِيهِنَّ".
وقال
تعالى: "وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَاداً وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ
الْمُفْسِدِينَ".
وقال
صلى الله عليه وسلم: "سَتَكُونُ فِتَنٌ؛ الْقَاعِدُ فيها خَيْرٌ من
الْقَائِمِ، وَالْقَائِمُ فيها خَيْرٌ من الْمَاشِي، وَالْمَاشِي فيها خَيْرٌ من
السَّاعِي، وَمَنْ يُشْرِفْ لها تَسْتَشْرِفْهُ، وَمَنْ وَجَدَ مَلْجَأً أو
مَعَاذًا؛ فَلْيَعُذْ بِهِ".
وقال
سفيان الثوري رحمه الله: "إن استطعت ألا تحك رأسك إلا بأثر فافعل"اهـ
والفتن
التي نزلت بالأمة كثيرة، وعظيمة، ومن أعظمها وأخطرها فتنة المظاهرات، والمسيرات
السلمية - زعموا -، ومن نظر بعين الاعتبار؛ لا بعين الشرع؛ عرف ما جرته هذه
الأفعال الغوغائية من بلايا وطوام على بلاد المسلمين؛ فكيف والشريعة قاضية
بتحريمها، منددة بفسادها وإفسادها، ومع هذا نجد من لا يحجزه دين ولا ورع يفتي
بجوازها؛ قال تعالى: "وَلا تَقُولُوا
لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا
عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لا
يُفْلِحُونَ".
على
أننا نتساءل عن المانع الذي منع المفتين ومن تابعهم بجوازها؛ من التظاهر للمطالبة
بما هو أهم من إسقاط الحاكم؛ كالمطالبة بتحكيم الشريعة، أو المطالبة بهدم المشاهد
والأضرحة، أو المطالبة بهدم مواخير الزنا، ومؤسسات الربا؛ أو المطالبة بتسريح من أسلمن
من نساء النصارى، والمظاهرات عندهم وسيلة من وسائل الضغط على الحكام والمسئولين
لتحقيق المطالب المشروعة؟!
فدعاة
المظاهرات من الإخوان المفسدين ومن نحا نحوهم؛ لا يريدون إلا القفز على السلطة؛ وزعزعة
الأمن والاستقرار، ونشر الفوضى والفساد؛ أما الدين، والعمل لمصلحة المسلمين؛ فهم
من أبعد الناس عن ذلك، وإلا فلو سألناهم عن سبب تجويزهم للمظاهرات؛ لقالوا: لمصلحة
البلاد والعباد؛ قلنا: فإن كان كذلك؛ فهذه المصلحة لا تكون إلا في نشر التوحيد،
ومحاربة الشرك والبدع والخرافات والمعاصي، والرجوع إلى الكتاب والسنة بفهم سلف
الأمة، والتحاكم إليهما لا إلى غيرهما؛ لا تكون في إسقاط الحكام، وزعزعة النظام،
وإلا فقد أسقطتم الحاكم؛ فأي شيء فعلتم؟! وماذا غيرتم؟!
ليس
ثمة تغيير يذكر؛ اللهم إلا تبادل أدوار، وتغيير وجوه؛ فلأن كان النظام السابق قد سقط؛
فقد بقيت أذنابه وفلوله بفكرهم الضال الذي يعادي الإسلام وأهله، ونهجهم العلماني
الصريح، وظلمهم وجورهم واستعبادهم الرعية على الطريقة الفرعونية، وبقي الفساد
الديني والأخلاقي ضارباً أطنابه.
فثبت
بذلك؛ أن المظاهرات وأشباهها ليست وسيلة من وسائل الإصلاح؛ بل هي من فعل الهمج
الرعاع الذين لا يعرفون معروفاً، ولا ينكرون منكراً، وأنها محرمة لا تجوز بحال
لعدة أمور؛ منها:
1-
أن من أصول أهل
السنة والجماعة المجمع عليها عدم منازعة الحاكم، وإن ظلم وجار واستأثر
بالمال؛ إلا في حالة واحدة، وهي الكفر البواح الذي لا يختلف فيه اثنان؛ أما في غير
هذه الحالة؛ فلا بد من الطاعة في غير معصية الله؛ قال
صلى الله عليه وسلم: "إِنَّهَا سَتَكُونُ بَعْدِي
أَثَرَةٌ وَأُمُورٌ تُنْكِرُونَهَا؛ قالوا يا رَسُولَ اللَّهِ: كَيْفَ تَأْمُرُ من
أَدْرَكَ مِنَّا ذلك. قال: تُؤَدُّونَ الْحَقَّ الذي عَلَيْكُمْ، وَتَسْأَلُونَ
اللَّهَ الذي لَكُمْ"، وسأله رجل؛ فقال:
يا نَبِيَّ اللَّهِ أَرَأَيْتَ إن قَامَتْ عَلَيْنَا أُمَرَاءُ يَسْأَلُونَا
حَقَّهُمْ، وَيَمْنَعُونَا حَقَّنَا؛ فما تَأْمُرُنَا؟ فَأَعْرَضَ عنه، ثُمَّ
سَأَلَهُ؛ فَأَعْرَضَ عنه، ثُمَّ سَأَلَهُ في الثَّانِيَةِ، أو في الثَّالِثَةِ؛
فَجَذَبَهُ الْأَشْعَثُ بن قَيْسٍ؛ فقال صلى الله عليه وسلم: "اسْمَعُوا
وَأَطِيعُوا، فَإِنَّمَا عليهم ما حُمِّلُوا، وَعَلَيْكُمْ ما حُمِّلْتُمْ"،
والمظاهرات تنافي الصبر - الذي أمرنا به - على جور الولاة؛ خلافاً للخوارج والمعتزلة
الذين يرون أن الخروج على الحكام؛ من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
2- المظاهرات
من دين الديمقراطية التي لا تعترف بحاكمية الله، ولا بحقوقه على عباده حكاماً
ومحكومين؛ فهي لا تعترف إلا بسيادة الشعب، والحاكمية المطلقة له، ولا يخفى على
اللبيب؛ أن دول الكفر أنفقت
الأموال الطائلة لفرضها على المسلمين؛ بل ولجأت إلى القوة - أحياناً - لتحقيق هذه
الغاية؛ ولو كان فيها نفع للإسلام والمسلمين ما كانت تقوم بكل هذا؛ فدل على أن
الديمقراطية التي شرعها الغرب الكافر، وروج لها - بمكر ودهاء - في بلاد المسلمين؛
المراد منها زعزعة عقائد المسلمين، وأوطانهم، والتعلق بهم، والنظر بعين الانبهار
إليهم، والانحراف بهم نحو الأخلاق المرذولة، والأفكار المنحرفة، وقد كان.
3- المظاهرات
من شر ضروب المنكر والفساد؛ فهي سبيل إلى سفك الدماء، ونهب الأموال، وانتهاك
الأعراض، وفعل المنكرات، وإن زعم المتظاهرون أنها مظاهرات سلمية؛ فإن هذا الزعم
يرده الواقع؛ فما من مظاهرة حدثت؛ إلا ووقع فيها ما لا يجيزه عقل، ولا شرع؛
فالمتظاهرون مفسدون من حيث لا يشعرون، وإن زعموا أنهم مصلحون؛ قال الله تعالى: "وَاللّهُ
لاَ يُحِبُّ الفَسَادَ"، وقال تعالى: "وَلاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ
بَعْدَ إِصْلاَحِهَا".
4- أنها
ليست من قبيل النهي عن المنكر؛ لأن النهي عن المنكر له شروط؛ شروط في الناهي،
وشروط في المنهي، وشروط في المنهي عنه، فمن شروط الناهي أن يكون عالماً بما ينهى
عنه، والمتظاهرون ليسوا إلا همجاً رعاعاً لا يعرفون معروفاً، ولا ينكرون منكراً؛
بل إن أغلبهم لا يصلي، ويتلبس حال تظاهره بالعديد من المنكرات؛ كرفع الشعارات
الكفرية، والتشبه في لباسه وعادته بالكفار، والاختلاط والسفور، وغير ذلك؛ فهلا
بدأوا بأنفسهم فأنكروا عليها؛ فالإنكار يناط بأهله إن كانت الوسيلة مشروعة؛ لا
بأمثال هؤلاء؛ كما أن الوسيلة لا بد أن تكون مشروعة، والمظاهرات ما عرفها المسلمون
إلا من الغرب الكافر، ومن تشبه بقوم فهو منهم، وأيضاً فالإنكار على الحاكم يختلف
عن الإنكار على سائر الناس؛ فليس إلا النصيحة، وفي السر أيضاً.
5- المظاهرات
من الفتن التي أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم أنها ستحدث في هذه الأمة بعده؛
قال صلى الله عليه وسلم: "تَعَوَّذُوا بِاللَّهِ من الْفِتَنِ ما ظَهَرَ منها
وما بَطَنَ، قالوا: نَعُوذُ بِاللَّهِ من الْفِتَنِ ما ظَهَرَ منها وما
بَطَنَ"؛ كما أنها من البدع الحادثة التي ذمها صلى الله عليه وسلم، ووصفها
بأنها شر الأمور، وأنها ضلال.
6- قد أخبر النبي صلى الله عليه
وسلم؛ عما سيكون في هذه الأمة من جور الحكام وظلمهم، واستئثارهم بالأموال، ومع
ذلك؛ فقد أمر بالصبر عليهم، وأداء الحقوق لهم، وإن منعهم الحكام حقهم، وعدم
منازعتهم سلطانهم؛ فلم يأمرهم بالمظاهرات، أو المسيرات السلمية، أو الإضرابات، أو
التنديدات، أو الاعتصامات، وغيرها؛ مما يفعله ويقوله أرباب الليبرالية والعلمانية،
وأذيالهم ممن نحا نحوهم من الإخوانية، وأدعياء السلفية، وهواة المناصب، وأهل
الأهواء والأغراض والصيد في الماء العكر الذين يريدون الضرر بهذه الأمة.
بقيت
مسألتان:
الأولى:
زعم بعض الجهال أن المظاهرات وسيلة من وسائل حرية التعبير التي كفلها الإسلام.
والرد
على هذه الشبهة: أن حرية التعبير مقيدة بما لم يكن فيه إثم؛ قال تعالى: "يَا
أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً يُصْلِحْ
لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ
وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً"، وقال تعالى: "وَقُل
لِّعِبَادِي يَقُولُواْ الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنزَغُ
بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلإِنْسَانِ عَدُوّاً مُّبِيناً"، وقال
تعالى: "وَقُولُواْ لِلنَّاسِ حُسْناً"، والمظاهرات وما يحدث فيها من
الفحش والتفحش في الأقوال والأعمال، والإثم والبغي والظلم، وغير ذلك؛ لا علاقة لها
من قريب أو بعيد بهذه التوجيهات الإلهية.
الثانية:
أنه لم يأت نص في تحريمها؛ بل هي من النوازل التي تخضع للاجتهاد، والنظر.
والرد
على هذه الشبهة: أننا أمرنا في النوازل أن نرجع إلى أهل الدين والورع، والاستنباط
والفهم؛ قال تعالى: "وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ
أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ
مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ"؛ فامتثلنا أمر ربنا،
وسئلنا الراسخين في العلم؛ العارفين بمقاصد الشريعة؛ علمائنا الأكابر؛ ابن باز
وابن عثيمين والألباني والوادعي والغديان والفوزان، وغيرهم؛ عن حكم المظاهرات؛
فأفتوا بحرمتها؛ فهل أجازها أحد يضارعهم أو يقاربهم؛ أم أجازها كسير، وعوير، وثالث
ما فيه خير؟
أولئك
آبائي فجئني بمثلهم إذا
جمعتنا يا جرير المجامع
فلم
يقل بجواز المظاهرات إلا أرباب الأقوال الكاسدة، والعقائد الفاسدة؛ ومن نحا نحوهم
من الذين يتخبطون، ويتلونون، وفي كل واد يهيمون؛ لم يقل بجوازها أحد من أهل العلم
الثقات، والحمد لله؛ فانظروا يا هؤلاء عمن تأخذون دينكم؟
اللهم
اهد ضال المسلمين، وأصلح ذات بينهم، ووفق ولاة أمورهم لنصرة دينك، وتحكيم شرعك،
واتباع نبيك؛ إنك جواد كريم، وصلى الله على محمد، والحمد لله رب العالمين.
0 التعليقات:
إرسال تعليق
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.