السبت، 25 أكتوبر 2014

مرة أخرى مع المتعالم الكذاب (1)

مرة أخرى مع المتعالم الكذاب (1)


قال: "كيف الآن يقال: من لم يقل بأثر مجاهد فهو مبتدع، أو فهو جهمي. هذا كلام غلط؛ هذا كلام غلط بالمرة؛ بعيد عن التحقيق .. إذا كان من يرد أثر مجاهد فهو جهمي؛ فأدرج كل أهل العلم في هذا الباب؛ من أول ابن جرير الطبري إلى الآن؛ لا سيما المفسرين .. إن كان هناك جيل معين من الحنابلة كانوا يقولون بهذا الأثر إغاظة للجهمية؛ فليس معنى هذا أن يدرج هذا الأثر في المعتقد .. من يقول بتحسين هذا الأثر أو تصحيحه؛ يعلم تمام العلم أنه لا يصح من جهة السند أصلاً؛ لأن الأثر مداره على الضعفاء .. الذي تلقته بالقبول فئة معينة، وهم الحنابلة، وليسوا كلهم؛ بل جنس من الحنابلة .. شيخ الإسلام ابن تيمية لم يقل بأن المقام المحمود هو الإجلاس على العرش، وكذا من جاء قبلهم، ومن جاء بعدهم .. معنى: (تلقته الأمة بالقبول)؟ يعني الذين لم يقولوا به؛ ليسوا من الأمة؟! يعني ابن جرير الطبري؛ ليس من الأمة؟! .. إن كان بعضهم قد قبل أثر مجاهد، وكان يغيظ الجهمية به؛ فليس معنى ذلك أن يقال: أثر مجاهد هو الأصل في تفسير هذه الآية، أو أن أثر مجاهد من رده فهو جهمي. لا يقال هذا الكلام، ومن يقول هذا الكلام؛ فهو رجل جاهل بالتحقيق؛ لا يعرف هذا العلم الشرعي .. الإنسان يستقرئ نصوص الشرع؛ ينظر في نصوص الشرع، ويتعلم".
قلت:
في هذه الفاقرة التي تنضح تعالماً مقيتاً، وبأواً بغيضاً:
1- ينكر المتعالم الكذاب تبديع من رد أثر مجاهد، ويقرر أن هذا غلط بعيد عن التحقيق.
2- ويقرر أن ابن جرير الطبري: رد أثر مجاهد؛ فيلزم تبديعه.
3- وأن ابن تيمية: لم يقل بأن المقام المحمود؛ هو الإجلاس على العرش.
4- ويقول: الذين قبلوا هذا الأثر؛ هم جيل معين من الحنابلة، وكانوا يقولون به إغاظة للجهمية.
5- ويقرر أن هذا الأثر لا ينبغي أن يدرج في المعتقد.
6- ويحكم على الذي يقول به؛ بأنه جاهل بالتحقيق؛ لا يعرف هذا العلم الشرعي.
7- ويقول: هذا الأثر لا يصح من جهة السند أصلاً؛ لأن مداره على الضعفاء.
8- وينصح القائلين بهذا الأثر؛ بأن يستقرؤوا نصوص الشرع، ويتعلموا قبل أن يتكلموا.
وهذه الجهالات والضلالات كلها موجهة في الأصل لأئمة السلف؛ لأنهم هم الذين قبلوه، واحتجوا به، وبدعوا من رده.
وابن جرير الطبري الذي يدعي هذا الجاهل؛ أنه رد أثر مجاهد؛ هو القائل: "ليس في فرق الإسلام من ينكر هذا؛ لا من يقر أن الله فوق العرش، ولا من ينكره من الجهمية، وغيرهم"اهـ (العرش 2/361)
وهو القائل أيضاً: "ما قاله مجاهد من أن الله يقعد محمداً صلى الله عليه وسلم على عرشه؛ قول غير مرفوض صحته؛ لا من جهة خبر، ولا نظر، وذلك لأنه لا خبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا عن أحد من أصحابه، ولا من التابعين بإحالة ذلك ... إلى أن قال: فقد تبين إذاً بما قلنا؛ أنه غير محال في قول أحد ممن ينتحل الإسلام؛ ما قاله مجاهد من أن الله يقعد محمداً على عرشه"اهـ (تفسير الطبري 15/147-148)
وأما حكمه على من يقول بهذا الأثر؛ بأنه جاهل بالتحقيق، لا يعرف هذا العلم الشرعي؛ فقد قال الذهبي: "هذا حديث ثابت عن مجاهد؛ رواه عنه ليث بن أبي سليم، وعطاء بن السائب، وجابر بن يزيد، وأبو يحيى القتات، وغيرهم. ورواه عن ليث؛ محمد بن فضيل، وعبدالله بن إدريس الأودي، واشتهر عن محمد بن فضيل؛ عن ليث؛ فرواه أبو بكر بن أبي شيبة، وأخوه عثمان، وحدثا به على رؤوس الناس ببغداد. وحدث به عنه أيضاً إسحاق بن راهويه، ومحمد بن عبدالله بن نمير، وخلاد بن أسلم، وإسماعيل بن حفص الأيلي، وسفيان بن وكيع، ومحمد بن حسان، والحسن بن الزبرقان أبو الخزرج، والحارث بن شريح، وعلي بن حرب، وعلي بن المنذر الطريفي، والعباس بن يزيد البحراني، ولفظهم: (يجلسه معه على العرش), ولفظ الباقين؛ أخبرني ابني أبي شيبة، وعبدالرحمن بن صالح، وهارون بن معروف، وإبراهيم بن موسى الرازي، وواصل بن عبدالأعلى، ويحيى بن عبدالحميد ( ) الحماني، وعبيد بن يعيش، وجعفر بن محمد بن الحداد: (يجلسه على العرش)، والزيادة صحيحة مقبولة. ورفعه بعضهم من حديث ابن عمر، وإسناده واه لا يثبت. وأما عن مجاهد فلا شك في ثبوته. وممن أفتى المروذي بأن الخبر يسلم كما جاء ولا يعارض: أبو داود صاحب السنن، وعبدالله بن الإمام أحمد، وإبراهيم الحربي، ويحيى بن أبي طالب، وأبو جعفر الدقيقي، ومحمد بن إسماعيل السلمي الترمذي، وعباس بن محمد الدوري، محمد بن بشر بن شريك بن عبدالله النخعي. واحتج بما رواه أحمد بن الفرج الطائي، وغيره؛ حدثنا عباد بن أبي روق؛ سمعت أبي يحدث عن الضحاك؛ عن ابن عباس في قوله {عَسَى أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَّحْمُودًا}؛ قال: (يقعده على العرش) .. وقال المروذي: وحدثني إبراهيم بن عرفة؛ سمعت أبا عمير؛ يقول: سمعت أحمد بن حنبل، وسئل عن حديث مجاهد: (يقعد محمداً صلى الله عليه وسلم على العرش)؛ فقال: قد تلقته العلماء بالقبول. قال المروزي: وقال أبو داود - يعني صاحب السنن - فيما احتج به؛ حدثنا محمد بن أبي صفوان الثقفي؛ حدثنا يحيى بن كثير؛ قال: ثنا سلم بن جعفر؛ ثنا سعيد الجريري؛ حدثنا سيف السدوسي؛ عن عبدالله بن سلام رضي الله عنه؛ قال: (إذا كان يوم القيامة جيء بنبيكم صلى الله عليه وسلم حتى يجلس بين يدي الله على كرسيه) فقلت يا أبا مسعود: إذا كان على كرسيه؛ أليس هو معه؟ قال: ويلك؛ هذا أقر حديث في الدنيا لعيني. أبو مسعود: هو سعيد بن إياس الجريري راوي الحديث من التابعين؛ سمع أبا الطفيل، وروى عنه شعبة، والثوري"اهـ (العرش 2/213-226)
وقال: "يبعد أن يقول مجاهد ذلك إلا بتوقيف؛ فإنه قال: قرأت القرآن من أوله إلى آخره ثلاث مرات على ابن عباس رضي الله عنهما؛ أقفه عند كل آية أسأله"اهـ (العلو 512)
وقال: "وقد تقدم قول أبي عبدالرحمن عبدالله بن الإمام أحمد في حديث مجاهد (أن الله يقعد محمداً معه على العرش) وأنه قال: ]أنا منكر على من رد هذا الحديث، وما رأيت أحداً من المحدثين ينكره، وكان عندنا وقت ما سمعناه من المشايخ أنه إنما ينكره الجهمية[. وقد تقدم غير حديث وأثر؛ معزو إلى كتاب عبدالله بن أحمد رحمهما الله في الرد على الجهمية؛ أخرجه أبو بكر المروزي صاحب الإمام أحمد، ومن أجل ما رووا عنه في كتاب فضيلة النبي صلى الله عليه وسلم؛ تأليفه. ونقل في هذا الكتاب نحواً من هذا القول عن: الإمام أبي داود السجستاني مؤلف السنن؛ استفتاه المروزي فأفتاه أن الخبر يسلم كما جاء ولا يعارض. وكذا أفتاه عباس الدوري الحافظ أحد الشيوخ الأئمة؛ روى عنه الترمذي، وأبو داود، والنسائي، وابن ماجه. وكذا أفتاه إبراهيم الحربي أحد الفقهاء والأئمة ببغداد في هذا العصر؛ ذكره أبو إسحاق الشيرازي في طبقات أصحاب الإمام أحمد بن حنبل، وقال فيه: إمام في الحديث وله مصنفات كثيرة، مات سنة خمس وثمانين ومائتين. وممن أفتاه من الأئمة بنحو ذلك: يحيى بن أبي طالب، وهو محدث، حافظ، سمع يزيد بن هارون وطبقته. ومحمد بن إسماعيل السلمي الحافظ، أحد أئمة الحديث، والمكثرين منه، روى عنه الترمذي، والنسائي، توفي سنة ثمانين. وأبو جعفر محمد بن عبدالملك الدقيقي الواسطي، ثقة روى عنه أبو داود، وابن ماجه. وأبو عبدالله محمد بن بشر بن شريك بن عبدالله القاضي. وأبو قلابة عبدالملك بن محمد الرقاشي. وأبو بكر بن حماد المقري. وعلي بن داود القنطري. ومحمد بن عمران الفارسي الزاهد. وإسماعيل بن إبراهيم الهاشمي. ومحمد بن يونس البصري. وأحمد بن أصرم المزني. وحمدان بن علي. وأبو بكر بن صدقة. وعلي بن سهل. والحسن بن الفضل. وهارون بن العباس الهاشمي. وأبو عبدالله بن عبدالنور. وإبراهيم الأصبهاني. وكذلك أفتى من الأئمة قبل هذه الطبقة: إسحاق بن راهويه، وأبو عبيد القاسم بن سلام، ومحمد بن مصعب العابد، وبشر الحافي، وهارون بن معروف، وجماعة غيرهم من أئمة الحديث والفقه؛ يطول ذكرهم؛ اختصرت نصوص قولهم؛ لكنهم يقولون ما معناه: أن هذا الخبر يسلم كما جاء، ولا يعارض؛ يعني خبر مجاهد"اهـ (العرش 2/339-344)
فالذهبي على بدعته؛ يقرر أن هذا الحديث ثابت عن مجاهد؛ لا شك في ثبوته.
وأنه يبعد أن يقول مجاهد ذلك إلا بتوقيف.
وينقل عن جماعة من كبار أئمة الإسلام؛ أنهم أفتوا بأن الخبر يسلم كما جاء، ولا يعارض.
وينقل عن أحمد بن حنبل؛ أنه قال: (قد تلقته العلماء بالقبول).
وعن عبدالله بن الإمام أحمد؛ أنه قال: (ما رأيت أحداً من المحدثين ينكره؛ إنما ينكره الجهمية)
فلله در من قال: "فإذا ثبت هذا عن أئمة أهل الإسلام؛ فلا عبرة بمن خالفهم من الطغام أشباه الأنعام".
وأما الجنس المعين من الحنابلة الذين قبلوا هذا الأثر؛ فمنهم:
سعيد بن جبير، والضحاك، وعطاء بن السائب، وجابر بن يزيد، ويحيى بن كثير، وسعيد بن إياس الجريري، وبشر الحافي، وهارون بن معروف، وعباس بن عبدالعظيم، وأبو بكر بن أبي شيبة، وأبو قلابة، وإسحاق بن راهويه، وأبو داود السجستاني، وأبو عبيد القاسم بن سلام، وعثمان بن أبي شيبة، وابراهيم الحربي، والأسود بن سالم، ومحمد بن مصعب العابد، وأبو يحيى القتات، وخلق غيرهم؛ ليس فيهم حنبلي واحد؛ بل منهم من ولد ومات قبل أن يخلق أحمد، وبقيتهم من شيوخه وأقرانه وكبار طلابه، وجميعهم ماتوا قبل نشأة المذهب، وانتشاره.
وقد ذكر هذا المتعالم؛ أنه ليس كل الحنابلة قبلوا هذا الأثر؛ إنما قبله جنس معين منهم، وهذا يعني أن جمهور الحنابلة ردوا هذا الأثر، ولم يقبلوه، وإذ ذلك كذلك: فليذكر لنا جماعة منهم.
وأما زعمه أن ابن تيمية لم يقل بأن المقام المحمود هو الإجلاس على العرش؛ فقد قال ابن تيمية: "صنف القاضي أبو يعلى كتابه في إبطال التأويل؛ رداً لكتاب ابن فورك، وهو وإن كان أسند الأحاديث التي ذكرها، وذكر من رواها ففيها عدة أحاديث موضوعة؛ كحديث الرؤية عياناً ليلة المعراج ونحوه، وفيها أشياء عن بعض السلف رواها بعض الناس مرفوعة؛ كحديث قعود الرسول صلى الله عليه وسلم على العرش؛ رواه بعض الناس من طرق كثيرة مرفوعة، وهي كلها موضوعة، وإنما الثابت أنه عن مجاهد وغيره من السلف، وكان السلف والأئمة؛ يروونه، ولا ينكرونه، ويتلقونه بالقبول. وقد يقال: إن مثل هذا لا يقال إلا توفيقاً؛ لكن لا بد من الفرق بين ما ثبت من ألفاظ الرسول، وما ثبت من كلام غيره؛ سواء كان من المقبول، أو المردود"اهـ (درء التعارض 3/215)
وقال: "حدث العلماء المرضيون، وأولياؤه المقبولون؛ أن محمداً رسول الله؛ يجلسه ربه على العرش معه؛ روى ذلك: محمد بن فضيل؛ عن ليث؛ عن مجاهد؛ في تفسير {عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا}، وذكر ذلك من وجوه أخرى مرفوعة، وغير مرفوعة؛ قال ابن جرير: وهذا ليس مناقضاً لما استفاضت به الأحاديث؛ من أن المقام المحمود هو الشفاعة؛ باتفاق الأئمة من جميع من ينتحل الاسلام، ويدعيه؛ لا يقول: إن إجلاسه على العرش منكر، وانما أنكره بعض الجهمية، ولا ذكره في تفسير الآية؛ منكر"اهـ (مجموع الفتاوى 4/374)
فهذا ابن تيمية يذكر:
1- أن السلف والأئمة كانوا يروون هذا الأثر، ويتلقونه بالقبول.
2- وأن الذي حدث به؛ هم العلماء المرضيون، وأولياؤه المقبولون.
3- وأنه لم ينكره إلا الجهمية.
وأما الذين قبلوه من غير روية، ولا تحقيق، ولا استقراء لنصوص الشرع، ولا معرفة بهذا العلم الشرعي - كما زعم هذا المتعالم البغيض - فخلق لا يحصون كثرة من أئمة العلم والدين؛ منهم:
أحمد بن حنبل:
قال أبو بكر المروذي: "سألت أبا عبدالله عن الأحاديث التي تردها الجهمية في الصفات، والرؤية، والإسراء، وقصة العرش؛ فصححها، وقال: قد تلقتها العلماء بالقبول؛ نسلم الأخبار كما جاءت؛ فقلت له: إن رجلاً اعترض في بعض هذه الأخبار كما جاءت؛ فقال: يجفى، وما اعتراضه في هذا الموضع؟ يسلم الأخبار كما جاءت"اهـ (السنة للخلال 283)
قلت: فلم يرد هذه الآثار في وقته إلا الجهمية؛ أما أهل السنة فلم يعرف عن أحد منهم أنه ردها، أو طعن فيها.
وأحمد بن أصرم المزني:
قال: "من رد هذا؛ فهو متهم على الله ورسوله، وهو عندنا كافر، وزعم أن من قال فهو ثنوي؛ فقد زعم أن العلماء والتابعين ثنوية، ومن قال بهذا؛ فهو زنديق يقتل"اهـ (السنة للخلال 247)
وأبو بكر بن حماد المقرئ:
قال: "من ذُكرت عنده هذه الأحاديث فسكت؛ فهو متهم على الإسلام؛ فكيف من طعن فيها؟"اهـ (السنة للخلال 251)
ويحيى بن أبي طالب:
قال: "رواه الخلق عن ابن فضيل؛ عن ليث؛ عن مجاهد، واحتمله المحدثون الثقات، وحدثوا به على رءوس الأشهاد؛ لا يدفعون ذلك؛ يتلقونه بالقبول والسرور بذلك، وأنا فيما أرى؛ أني أعقل منذ سبعين سنة، والله ما أعرف أحداً رده، ولا يرده إلا كل جهمي مبتدع خبيث يدعو إلى خلاف ما كان عليه أشياخنا، وأئمتنا؛ عجل الله له العقوبة"اهـ (السنة للخلال 267)
قلت: مات سنة (275).
وعلي بن داود القنطري:
قال: "لقد أتى على أربع وثمانون سنة؛ ما رأيت أحداً رد هذه الفضيلة إلا جهمي"اهـ (السنة للخلال 267)
قلت: مات سنة (272).
ومحمد بن عثمان بن أبي شيبة:
قال: "بلغني عن بعض الجهال دفع الحديث بقلة معرفته في رده مما أجازه العلماء ممن قبله ممن ذكرنا، ولا أعلم أحداً ممن ذكرت عنه هذا الحديث، إلا وقد سلم الحديث على ما جاء به الخبر، وكانوا أعلم بتأويل القرآن وسنة الرسول صلى الله عليه وسلم ممن رد هذا الحديث من الجهال، وزعم أن المقام المحمود هو الشفاعة لا مقام غيره"اهـ (السنة للخلال 282)
يعني أن من تفذلك وادعى أنه ينظر لهذا الأثر نظرة حديثية مجردة، ومن ثم الحكم عليه بما يقتضيه صحة، أو ضعفاً؛ فهو جاهل؛ لأن المحدثين الثقات احتملوه، وحدثوا به على رءوس الأشهاد لا يدفعون ذلك، وهم أعلم بالقرآن والسنة من هذا المتفذلك ومن ملء الأرض من أمثاله، وما عرف عن أحد منهم أنه رده؛ بل كان لا يرده إلا كل جهمي مبتدع خبيث يدعو إلى خلاف ما كان عليه أئمة السلف.
ومحمد بن بشر بن شريك:
قال: "لم يكن هذا عن مجاهد وحده؛ هذا عن ابن عباس، وقد رواه شريك؛ عن عطاء بن السائب؛ عن مجاهد"اهـ (السنة للخلال 294)
وعباس الدوري:
قال: "سمعت أبا عبيد القاسم بن سلام؛ يقول: هذه الأحاديث حق لا يشك فيها؛ نقلها الثقات بعضهم عن بعض؛ حتى صارت إلينا؛ نصدق بها، ونؤمن بها على ما جاءت"اهـ (السنة للخلال 311)
وإبراهيم الأصبهاني:
قال: "هذا الحديث؛ حدث به العلماء منذ ستين ومئة سنة، ولا يرده إلا أهل البدع"اهـ (السنة للخلال 251)
وأبو بكر بن إسحاق الصاغاني:
قال: "لا أعلم أحداً من أهل العلم ممن تقدم، ولا في عصرنا هذا؛ إلا وهو منكر لما أحدث الترمذي من رد حديث محمد بن فضيل؛ عن ليث؛ عن مجاهد في قوله {عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا}؛ قال: «يقعده على العرش»؛ فهو عندنا جهمي؛ يهجر ونحذر عنه؛ فقد حدثنا به هارون بن معروف؛ قال حدثنا محمد بن فضيل؛ عن ليث؛ عن مجاهد في قوله {عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا}؛ قال: «يقعده على العرش»، وقد روي عن عبدالله بن سلام؛ قال: «يقعده على كرسي الرب جل وعز»؛ فقيل للجريري: إذا كان على كرسي الرب فهو معه؛ قال: ويحكم؛ هذا أقر لعيني في الدنيا، وقد أتى علي نيف وثمانون سنة؛ ما علمت أن أحداً رد حديث مجاهد؛ إلا جهمي، وقد جاءت به الأئمة في الأمصار، وتلقته العلماء بالقبول منذ نيف وخمسين ومائة سنة. وبعد: فإني لا أعرف هذا الترمذي، ولا أعلم أني رأيته عند محدث، فعليكم رحمكم الله بالتمسك بالسنة والاتباع"اهـ (السنة للخلال 267)
قال الدارمي: "وقال بعضهم: إنا لا نقبل هذه الآثار، ولا نحتج بها؛ قلت: أجل، ولا كتاب الله تقبلون؛ أرأيتم إن لم تقبلوها؛ أتشكون أنها مروية عن السلف؛ مأثورة عنهم؛ مستفيضة فيهم؛ يتوارثونها عن أعلام الناس وفقهائهم قرناً بعد قرن؟ قالوا: نعم؛ قلنا: فحسبنا إقراركم بها عليكم حجة لدعوانا؛ أنها مشهورة مروية؛ تداولتها العلماء والفقهاء؛ فهاتوا عنهم مثلها حجة لدعواكم التي كذبتها الآثار كلها؛ فلا تقدرون أن تأتوا فيها بخبر، ولا أثر، وقد علمتم إن شاء الله؛ أنه لا يستدرك سنن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، وأحكامهم وقضاياهم؛ إلا بهذه الآثار والأسانيد على ما فيها من الاختلاف، وهي السبب إلى ذلك، والنهج الذي درج عليه المسلمون، وكانت إمامهم في دينهم بعد كتاب الله عز وجل؛ منها يقتبسون العلم، وبها يقضون، وبها يقيمون، وعليها يعتمدون، وبها يتزينون، يورثها الأول منهم الآخر، ويبلغها الشاهد منهم الغائب احتجاجا بهاً، واحتساباً في أدائها إلى من لم يسمعها؛ يسمونها السنن والآثار والفقه والعلم، ويضربون في طلبها شرق الأرض وغربها؛ يحلون بها حلال الله، ويحرمون بها حرامه، ويميزون بها بين الحق والباطل، والسنن والبدع، ويستدلون بها على تفسير القرآن ومعانيه وأحكامه، ويعرفون بها ضلالة من ضل عن الهدى؛ فمن رغب عنها فإنما يرغب عن آثار السلف وهديهم، ويريد مخالفتهم ليتخذ دينه هواه، وليتأول كتاب الله برأيه خلاف ما عنى الله به؛ فإن كنتم من المؤمنين، وعلى منهاج أسلافهم؛ فاقتبسوا العلم من آثارهم، واقتبسوا الهدى في سبيله، وارضوا بهذه الآثار إماماً؛ كما رضي بها القوم لأنفسهم إماماً؛ فلعمري ما أنتم أعلم  بكتاب الله منهم، ولا مثلهم، ولا يمكن الاقتداء بهم إلا باتباع هذه الآثار على ما تروى؛ فمن لم يقبلها فإنه يريد أن يتبع غير سبيل المؤمنين، وقال الله تعالى: {وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا}؛ فقال قائل منهم: لا؛ بل نقول بالمعقول. قلنا: هاهنا ضللتم عن سواء السبيل، ووقعتم في تيه لا مخرج لكم منه؛ لأن المعقول ليس لشيء واحد موصوف بحدود عند جميع الناس فيقتصر عليه، ولو كان كذلك كان راحة للناس، ولقلنا به ولم نعد، ولم يكن الله تبارك وتعالى قال: {كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ}؛ فوجدنا المعقول عند كل حزب؛ ما هم عليه، والمجهول عندهم؛ ما خالفهم، فوجدنا فرقكم معشر الجهمية في المعقول مختلفين؛ كل فرقة منكم تدعي أن المعقول عندها ما تدعو إليه، والمجهول ما خالفها؛ فحين رأينا المعقول اختلف منا ومنكم ومن جميع أهل الأهواء، ولم نقف له على حد بين في كل شيء؛ رأينا أرشد الوجوه وأهداها؛ أن نرد المعقولات كلها إلى أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإلى المعقول عند أصحابه المستفيض بين أظهرهم؛ لأن الوحي كان ينزل بين أظهرهم؛ فكانوا أعلم بتأويله منا ومنكم، وكانوا مؤتلفين في أصول الدين؛ لم يفترقوا فيه، ولم تظهر فيهم البدع والأهواء الحائدة عن الطريق؛ فالمعقول عندنا ما وافق هديهم، والمجهول ما خالفهم، ولا سبيل إلى معرفة هديهم وطريقتهم؛ إلا هذه الآثار، وقد انسلختم منها، وانتفيتم منها بزعمكم؛ فأنى تهتدون؟"اهـ (الرد على الجهمية ص 124)
وبعد: فقد قال مالك: إن حقاً على العالم أن يكون متبعاً لآثار من مضى قبله. وقال أحمد: إياك أن تتكلم في مسألة ليس لك فيها إمام.
وإذ ذلك كذلك: فمن سلف هذا المتعالم الكذاب في طعنه في هذا الأثر؛ ليس له سلف إلا الجهمية القدامى، ومن جدد ملتهم من المعاصرين؛ أمثال: الألباني، والجامي، والمدخلي، ومن حذا حذوهم؛ أما أهل السنة؛ فلم يُنقل لنا: أن أحداً منهم؛ استنكره، أو طعن فيه؛ لكننا في زمان قل فيه العلم، وفشا فيه الجهل، وتكلم الرويبضة، ووسد الأمر إلى غير أهله؛ فيا محنة الإسلام مِن كل جاهل، ويا قلة الأنصار من كل عالم.

0 التعليقات:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.